ولكن يرد عليه :
أوّلاً : أنّ ملاك التبادر ليس هو انسباق المعنى إلى أذهاننا فحسب ، بل انسباق المعنى إلى أذهان أهل اللسان أيضاً حيث يعتبر سبيلاً إلى العلم بالوضع ، وهو موجود في المقام.
وثانياً : أنّ العرب مثلاً ليسوا منحصرين بمن تولّد على ذلك اللسان وعاش عليه ، بل يعمّ أيضاً كلّ عجمي يمارس اللغة العربيّة ، وقد ألّف كثير من الأعاجم الكتب النافعة في العلوم العربيّة من اللغة وغيرها.
ثمّ إنّ الفخر الرازي أنكر دلالة كلمة « إنّما » على الحصر ، وقد صرّح بذلك في ذيل قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) وقال : « قالت الشيعة : هذه الآية دالّة على أنّ الإمام بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله هو علي بن أبي طالب ، وتقريره أن نقول : هذه الآية دالّة على أنّ المراد بهذه الآية إمام ( لأنّ الولي في هذه الآية لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر فوجب أن يكون بمعنى المتصرّف لأنّ الولاية المذكورة في هذه الآية غير عامّة لكلّ المؤمنين بدليل إنّه تعالى ذكر بكلمة « إنّما » ، وكلمة « إنّما » للحصر ، والولاية بمعنى النصرة عامّة ) ، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يكون ذلك الإمام هو علي بن أبي طالب ( لأنّ كلّ من أثبت بهذه الآية إمامة شخص قال : إنّ ذلك الشخص هو علي ، مضافاً إلى أنّ الرّوايات تظاهرت على أنّ هذه الآية نزلت في حقّ علي ) ... ـ إلى أن قال ـ « لا نسلّم أنّ الولاية المذكورة في الآية غير عامّة ولا نسلّم أنّ كلمة إنّما للحصر ، والدليل عليه قوله ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ ) ولا شكّ أنّ اللعب واللهو قد يحصل في غيرها » (٢).
والجواب عنه :
أوّلاً : أنّ مجرّد الاستعمال ليس دليلاً على الحقيقة ولا على المجاز كما مرّ كراراً.
ثانياً : أنّ الحصر في الآية إضافي ، والمقصود منه زوال الدنيا وعدم ثباتها ، أي أنّ الحياة الدنيا بالإضافة إلى أمر الثبات وعدم الثبات منحصرة في عدم الثبات ، فمثلها في هذه الجهة مثل : ( كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً
__________________
(١) سورة المائدة : الآية ٥٥.
(٢) التفسير الكبير : ج ١٢ ، ص ٢٦ ـ ٣٠ ، طبع دار الكتب العلمية طهران ـ الطبعة الثانية.