وهو المعنى المركوز في الأذهان من العام أوضح وأجلى ممّا عرف به ولذلك يجعل المقياس في النقض على التعريف عكساً أو طرداً صدق ذلك المعنى المركوز وعدم صدقه ، فإن صدق المركوز على مورد ولم يشمله التعريف فيشكل عليه بعدم العكس ، وإن لم يصدق هو على مورد وقد شمله التعريف فيشكل عليه بعدم الطرد.
الوجه الثاني عدم كون العام بمفهومه العام الشامل لجميع أفراده ومصاديقه محلاً لحكم من الأحكام كي يجب تعيين مفهومه وتحديد معناه فيترتّب عليه حكمه الخاصّ ، بل الأحكام إنّما هو لمصاديق العام وأفراده ، والمصاديق كلّها معلومة واضحة.
أقول : أوّلاً : قد مرّ كراراً أنّ مقصود القوم في تعاريفهم للألفاظ هو بيان حقيقة الشيء أو ما يكون كالماهيّة في الامور الاعتباريّة فيكون التعريف حقيقيّاً ، كما يدلّ عليه تصريحهم بأنّهم بصدد تعريف الحقيقة والماهيّة ، وأنّ القيد الفلاني هو لإخراج كذا أو لادخال كذا تحفّظاً على عكس التعريف وطرده ، وهكذا جميع التعاريف التي تذكر في العلوم لموضوعاتها وموضوعات مسائلها.
ثانياً : المقصود من هذه التعاريف هو المبتدىء في هذه العلوم حتّى يعرف موضوعات المسائل التي يبحث عنها في العلم لا العلماء البارعون في هذه الفنون حتّى يقال : إنّهم أعرف بمفاهيم هذه الألفاظ ، هذا بالنسة إلى الوجه الأوّل ممّا ذكره في كلامه.
أمّا الوجه الثاني : ففيه : إن كان المراد منه عدم أخذ عنوان العام في لسان الآيات والرّوايات فهو كذلك ، إلاّ أنّه لا يستلزم عدم الحاجة إلى تعريف العام تعريفاً حقيقياً ، لأنّ الداعي إلى تعريف الألفاظ الموجودة في علم الاصول ليس لأنّها مأخوذة في لسان الأدلّة ، بل الداعي إنّما هو ترتّب سلسلة من الأحكام العقلائيّة أو العقليّة عليها في نفس هذا العلم ( علم الاصول ) كالأحكام التي تترتّب مثلاً على تعريف عنوان الاجزاء أو عنوان المشتقّ أو الحقيقة الشرعيّة والحقيقة اللغويّة ، وكذلك سائر العناوين المطروحة في هذا العلم ، وإن كان المراد إنكار انطباق أحكام على خصوص عنوان العام في نفس علم الاصول فهو ممنوع لأنّ بعض الأحكام يترتّب على نفس هذا العنوان كالبحث عن أنّه هل للعام صيغة تخصّه؟ أو أنّ العام حجّة قبل الفحص أم لا؟ وغيرهما من المباحث المنطبقة على عنوان العام.