بل بأن نقول : إنّ لفظ « كلّ » صار حقيقة في العام الاستغراقي ولابدّ لاستعماله في المجموعي إلى نصب قرينة ، وحين الشكّ فيها نرجع إلى معناه الحقيقي وهو العموم الاستغراقي.
الثاني : أنّ ما أفاده قدسسره يتصوّر فيما إذا كان الدالّ على العموم لفظاً من ألفاظ العموم ، أمّا إذا استفدنا العموم من دليل لبّي فلا يمكن التمسّك بأصل لفظي وحينئذٍ إذا شككنا في أنّ العموم استغراقي أو مجموعي يكون المرجع هو الأصل العملي ، وقد توهّم بعض أنّه هو أصل البراءة لأنّ الشكّ في المقام يرجع إلى الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ( فهو في الواقع شكّ في اشتراط الجميع بالجميع ) والأصل فيهما هو البراءة كما قرّر في محلّه.
لكن الإنصاف أنّ الأصل في مثل هذه الموارد قاعدة الاشتغال لأنّ البراءة تجري فيما إذا كان في البين قدر متيقّن وشككنا في وجوب الزائد عنه ، وأمّا في المقام فيكون أصل تعلّق الوجوب بجميع الأفراد يقينياً وإنّما الشكّ في كيفية التعلّق ، كما إذا شككنا في شهر رمضان مثلاً في أنّ كلّ يوم من أيّامه يكون الصّيام فيه واجباً مستقلاً أو يكون مشروطاً بإتيان الباقي فيكون المجموع واجباً واحداً؟ مع كون أصل تعلّق الوجوب بكلّ فرد يقينياً ، فحينئذٍ الأصل هو قاعدة الاشتغال لا البراءة كما لا يخفى.
هذا إذا كان العبد قادراً على إتيان الجميع ، أمّا إذا كان قادراً على بعض دون بعض من بداية الأمر كما إذا قال المولى أكرم العلماء وكان الإكرام واجباً موسّعاً والعبد لا يقدر على إكرام الجميع من أوّل الأمر فالأصل هو البراءة ، لأنّه إن كان الوجوب على نهج العام المجموعي يكون التكليف ساقطاً ، وإن كان استغراقياً يكون وجوب البعض المقدور عليه ثابتاً ، فيصير الشكّ بالنسبة إلى وجوب البعض الآخر بدويّاً ، والأصل عندئذ هو البراءة ، وأمّا إذا كان قادراً على الجميع من البداية فطرأ العجز بعد ثبوت التكليف فالأصل هو الاستصحاب إذا لم يصل البعض غير المقدور إلى حدّ يوجب خروج موضوع المستصحب عن الوحدة العرفيّة وكانت وحدة الموضوع محفوظةً.