إن قلت : إذاً لا فرق بين العام البدلي والمطلق.
قلنا : الفرق بينهما إنّ الشمول والبدليّة في الأوّل يستفاد من اللفظ وهو لفظ « أيّ » مثلاً ، وأمّا في المطلق فالشمول فيه إنّما يستند إلى مقدّمات الحكمة كما لا يخفى.
الأمر الثالث : إذا شكّ في أنّ المراد من العموم هل هو استغراقي أو مجموعي كما إذا نذر على أن يترك التدخين مثلاً ثمّ شكّ في أنّه نذر على نهج العموم الاستغراقي أو المجموعي قال المحقّق النائيني رحمهالله : إنّ الأصل يقتضي كونه استغراقياً لأنّ العموم المجموعي يحتاج إلى اعتبار الامور الكثيرة أمراً واحداً ، ليحكم عليها بحكم واحد وهذه عناية زائدة تحتاج إفادتها إلى مؤونة زائدة.
والجواب عنه يتمّ بذكر أمرين :
الأوّل : إنّ المؤونة الزائدة في خصوص أحدهما دون الآخر تتصوّر فيما إذا كان أحد العامّين لا بشرط والآخر بشرط لا كما أنّه كذلك في المطلق والمقيّد. وأمّا إذا كان أحدهما بشرط شيء والآخر بشرط لا فالعناية الزائدة موجودة في كليهما كما لا يخفى ، وفي ما نحن فيه نحتاج في العموم الاستغراقي أيضاً إلى لحاظ كلّ فرد من الأفراد مستقلاً عن غيره ، أي لحاظ كلّ فرد من الأفراد في العموم الاستغراقي مشروط بعدم لحاظ الغير معه فيكون بشرط لا.
وإن شئت قلت : إنّه مشروط بشرط الاستقلال ، فيكون هو أيضاً بشرط شيء ، فلا فرق بين الاستغراقي والمجموعي في هذه الحيثيّة ، والنتيجة حينئذٍ إجمال الدليل وعدم إمكان التمسّك بالاصول اللفظيّة ، نعم يتصوّر الشكّ هذا بالنسبة إلى لفظ « كلّ » في اللغة العربيّة حيث إنّه فيها مشترك بين المجموعي والاستغراقي بخلافه في اللغة الفارسيّة حيث وضع فيها بإزاء كلّ واحد من المعنيين لفظ خاصّ ، فوضع لفظ « همه » للعام المجموعي ولفظ « هو » للعام الاستغراقي ، نعم قد يستعمل لفظ « همه » للافرادي أيضاً.
مضافاً إلى أنّ كلمة « كل » في لغة العرب في الاستغراقي أكثر من استعمالها في المجموعي ، ولعلّ كثرة الاستعمال هذه توجب ظهوراً لها في العموم الاستغراقي ، والشاهد على الكثرة ملاحظة استعمالات هذا اللفظ في القرآن الكريم وهي بالغة إلى ثلاثمائة وخمس وعشرين (٣٢٥) مرّة فإنّه استعمل في جميع الموارد إلاّنادراً في العموم الاستغراقي كما لا يخفى على المتتبّع فيها ، وبهذا يظهر إمكان التمسّك بأصل لفظي في المقام لكن لا كما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله