ويمكن أن يستدلّ له أيضاً بحكمة الوضع فبما أنّ الحكمة في وضع الألفاظ رفع الحاجات اليوميّة للناس فلا بدّ من وضع لفظ أو ألفاظ تدلّ على العموم لأنّ من جملة تلك الحاجات الحاجة إلى لفظ يدلّ على مقصود عام.
أضف إلى ذلك : أنّ الخصوص ليس له حدّ خاص ومرتبة معيّنة كي يمكن الالتزام بوضع هذه الألفاظ لذلك الحدّ ، بل إنّه يؤدّى ويستفاد من طريق تخصيص العام فلا يمكن بيان الخاصّ بدون بيان العام ، إذن فلا بدّ من وضع ألفاظ للعام لكي يخصّص ويصير طريقاً إلى بيان الخاصّ.
واستدلّ للخصم أي لوضع هذه الألفاظ للخاصّ بوجهين عقليين.
الأوّل : أنّ إرادة الخصوص ولو في ضمن العموم معلومة بخلاف العموم لاحتمال أن يكون المراد به الخصوص فقط ، وجعل اللفظ حقيقة في المعنى المتيقّن أولى من جعله حقيقة في المعنى المحتمل.
الثاني : إنّه قد اشتهر التخصيص وشاع حتّى قيل « ما من عام إلاّوقد خصّ » الحاقاً للقليل بالعدم مبالغة ، والظاهر يقتضي كون اللفظ حقيقة في الأشهر الأغلب تقليلاً للمجاز.
أقول : كلا الدليلين لا يخلو من لا الضعف جدّاً.
أمّا الأوّل : فلأنّ كون إرادة الخصوص متيقّناً لا يوجب اختصاص الوضع به بل لابدّ في وضع اللفظ من ملاحظة وجود الحاجة وعدمه ، والإنصاف أنّ هذا الاستدلال بهذا البيان في غاية الضعف.
أمّا الدليل الثاني : فلأنّه يتفرّع ويتوقّف على إيجاب التخصيص التجوّز وكون العام مجازاً في الباقي وسيأتي خلافه ، مضافاً إلى أنّه لو سلّمنا كونه مجازاً فلا محذور في كثره المجاز إذا كان المجاز بالقرينة وكان التخصيص مورداً للحاجة.
إلى هنا تمّت الامور التي كان ينبغي ذكرها مقدّمة وأمّا البحث عن مسائل العام والخاصّ فيقع ضمن فصول :