في الغابة متقشّفاً ـ الملك جاناك ـ ، وكيف يتوسّل إلى الحكيم ـ باجنافالكيا ـ أن يرشده إلى طريق الخلاص من العودة إلى الولادة من جديد ، فيجيبه الحكيم بشرح رياضة اليوغا والتخلّص من الشهوات إلى أن يقول : ـ وإنّها لجنّة صارمة تلك التي يعدها ـ باجنافالكيا ـ لذلك الملك المتبتّل؛ لأنّ الفرد هناك لن يشعر بفرديته بل كلّ ما سيتمّ هناك هو امتصاص الفرد في الوجود هو عودة الجزء إلى الأنحاء بالكلّ الذي انفصل عنه حيناً من الدهر ، فكما تتلاشى الأنهار المتدفّقة في البحر وتفقد أسماءها وأشكالها فكذلك الرجل الحكيم إذا ما تحرّر من اسمه وشكله يفنى في الشخص القدسي الذي هو فوق الجميع ـ (١).
أمّا الأمر الثاني : ففيه إشارة واضحة إلى المخلّص في عقيدة الهندوس الذين يؤمنون بأنّ فشنو ـ الإلَه بما هو حافظ ـ يتجسّد على شكل إنسان أو شكل خارق عندما تدعو الحاجة لإصلاح كلّ شيء والقضاء على الشرّ ، يقول فشنو : ـ وعندما يتدهور النظام والعدالة سأنزل إلى الأرض ـ ، ويؤمن المعتقِد الهندوسي بوجود عشرة تجلّيات لفشنو الإله الحافظ للكون ، ومن أشهر هذه التجلّيات تجسّده في شكل سمكة ـ ماتسا ـ لإنقاذ ـ مانو ـ من الفيضان العظيم و ـ مانو ـ هو الجدّ الأعلى للبشرية ، وعندما أصبح وجوده في خطر وتهدّد الجنس البشري بالفيضان حماه فشنو عندما تجسّد في سمكة ضخمة.
كما تجسّد فشنو على شكل القزم ـ فامانا ـ الذي أنقذ العالم من عفريت شرّير يدعى ـ بالي ـ ، وكانت العفاريت تحت قيادة بالي نجحت في السيطرة على الأرض بأسرها ، ولم تدع مجالاً للأرباب فيها ، فتوسّل فشنو وهو متنكّر في هيئة القزم إلى بالي أن يعطيه بقدر ما يستطيع أن يقطع في ثلاث خطوات ، فاعتقد بالي أنّ ما يستطيع أن يقطعه لا يساوي شيئاً فمنحه ما أراد ، وكان فشنو تحوّل إلى عملاق وقطع الأرض
__________________
١ ـ ول ديورانت ، قصة الحضارة ، ج ٣ ، ص ٥٠.