فيه صلاح أمر وليك في الإذن له بإظهار أمره ، وكشف سرّه ، فصبّرني على ذلك حتّى لا أحبّ تعجيل ما أخّرت ، ولا تأخير ما عجّلت ، ولا كشف ما سترت ، ولا البحث عمّا كشفت ، ولا أنازعك في تدبيرك ، ولا أقول لِمَ وكيف ، وما بالُ ولي أمرك لا يظهر ، وقد امتلأت الأرض من الجور ، وأفوّض أموري كلّها إليك ـ (١).
للمهدي عجل الله تعالى فرجه غيبتان : صغرى وكبرى ، عن أبي جعفر عليهالسلام ـ إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين ـ (٢).
وعن حازم بن حبيب عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ـ يا حازم إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين فمن جاءك يقول : إنّه نفض يده من تراب قبره فلا تصدّقه ـ (٣).
وتبدأ الغيبة الصغرى من حين تولّي الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه مسؤولية الإمامة بعد وفاة أبيه ( سنة ٢٦٠ هـ ) وعمره حينذاك خمس سنين ، ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) [ مريم ] ، ويذهب بعض العلماء إلى أنّ الغيبة الصغرى تبدأ من حين الولادة ( سنة ٢٥٥ هـ ) وتمتدّ الغيبة إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته ، ولقد كان اتجاه الأئمة عليهمالسلام منذ عصر الإمام الجواد والهادي عليهماالسلام التخفيف من الاتصال بمواليهم ، واعتمدوا أسلوب المراسلة عن طريق الكتب والتواقيع لشدّة الحصار المضروب عليهم والطوق الذي تحكمه السلطات على تحرّكاتهم خاصّة زمن الإمام الحسن العسكري عليهالسلام لِما اشتهر في الآفاق أنّه سيولد الإمام الثاني عشر ، ويقتلع جذور الطغاة ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ولذلك حرص الإمام العسكري أن تتمّ الولادة المباركة في كنف السرّية التامّة ولم يَرَ الإمام المهدي سوى خاصّته.
وحتّى عند وفاة الإمام الحسن العسكري عليهالسلام في ٨ / ربيع الأول / سنة ٢٦٠ هـ ، لم يظهر المهدي عجل الله تعالى فرجه إلا للخاصّة ، وبدأت حينها السفارة بينه وبين الشيعة التي امتدت طيلة
__________________
١ ـ عباس القمي ، مفاتيح الجنان ، دعاء زمن الغيبة ، ص ١٠٦.
٢ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ١١٣.
٣ ـ المصدر نفسه ، ص ١١٤.