ووقف على واقع الحال من غدر أهل الكوفة به ، ونكثهم لبيعته انقلب رأساً على عقب ، وصار من أنصار الإمام ، ومن أكثرهم مودّة وحباً له ، لأنّ الإمام من ألصق الناس برسول الله صلىاللهعليهوآله .
وعلى أي حال ، فقد عرض أبو الفضل مقالة القوم على أخيه ، فقال له : اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُؤَخِّرَهُمْ إِلَى الْغَدْوَةِ وَتَدفَعَهُمْ عَنّا الْعَشِيَّةِ لَعلَّنا نُصَلِّي لِرَبِّنا هٰذِهِ اللَّيْلَةَ ، وَنَدْعُوهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ ، وَتِلَاوَةَ كِتابِهِ وَكَثْرَةَ الدُّعاءِ وَالْإِسْتِغْفارِ (١) .
لقد أراد ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يودّع الحياة الدنيا بأثمن ما فيها ، وهي الصلاة والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن الكريم ، وأن يواجه الله تعالى وقد تزوّد منها .
ورجع أبو الفضل عليهالسلام إلى معسكر ابن مرجانة فأخبرهم بمقالة أخيه ، فعرض ابن سعد ذلك على الخبيث الدنس شمر بن ذي الجوشن خوفاً من وشايته إذا استجاب لطلب الإمام ، فقد كان شمر المنافس الوحيد لابن سعد على إمارة الجيش ، كما كان عيناً عليه ، كما أراد أن يكون شريكاً له في المسؤوليّة فيما إذا عاتبه ابن زياد على تأخير الحرب .
ولم يبد الشمر أي رأي له في الموضوع ، وإنّما أحاله لابن سعد ليكون هو المسؤول عنه ، وانبرى عمرو بن الحجّاج الزبيدي فأنكر عليهم هذا التردّد والاحجام عن إجابة الإمام قائلاً : سبحان الله ! والله لو كان من الديلم ثمّ سألكم هذه المسألة لكان ينبغي أن تجيبوه (٢) .
__________________________
(١) الإرشاد : ٢ : ٩٠ و ٩١ . اللهوف : ٥٤ .
(٢) أنساب الأشراف : ٣ : ٣٩٢ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣١٦ . المنتظم : ٥ : ٣٣٧ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٥٨ .