لقد فدى الإمام عليهالسلام أخاه بنفسه ، وهو ممّا يدلّ على سموّ مكانته ، وعظيم منزلته ، وأنّه قد بلغ قمّة الإيمان ، وأعلى مراتب المتّقين . . وأسرع أبو الفضل نحو الجيش ، ومعه عشرون فارساً من أصحابه ، ومن بينهم زهير بن القين ، وحبيب بن مظاهر ، وسألهم أبو الفضل عن سبب زحفهم ، فقالوا له : جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه ، أو نناجزكم (١) .
وقفل العباس إلى أخيه ، فأخبره بمقالتهم ، وراح حبيب بن مظاهر يعظهم ويحذّرهم من عقاب الله قائلاً : « أما والله بئس القوم يقدمون غداً على الله عزّ وجلّ ، وعلىٰ رسوله محمد صلىاللهعليهوآله ، وقد قتلوا ذريته وأهل بيته المتهجدين بالأسحار ، الذاكرين الله كثيراً بالليل والنهار ، وشيعته الأتقياء الأبرار » .
وردّ عليه بوقاحة عَزرَة بن قيس ، فقال له : يا بن مظاهر ، إنّك لتزكّي نفسك !
وانبرى إليه زهير بن القين قائلاً : اتقِ الله يا بن قيس ، ولا تكن من الذين يعينون على الضلال ويقتلون النفس الزكية الطاهرة عترة خيرة الأنبياء (٢) .
فأجابه عزرة : كنت عندنا عثمانياً فما بالك ؟
فردّ عليه زهير بمنطق الشرف والإيمان : « والله ما كتبت إلى الحسين ، ولا أرسلت إليه رسولاً ، ولكن الطريق جمعني وإياه ، فلمّا رأيته ذكرت به رسول الله صلىاللهعليهوآله وعرفت ما تقدمون من غدركم ونكثكم ، وسبيلكم إلى الدنيا فرأيت أن أنصره ، وأكون في حزبه حفظاً لما ضيّعتم من حق رسول الله صلىاللهعليهوآله » (٣) .
لقد كان كلام زهير حافلاً بالصدق بجميع رحابه ، فقد بيّن أنّه لم يكتب إلى الإمام بالقدوم إلى الكوفة ، لأنّه كان عثماني الهوى ، ولكنّه حينما التقى بالإمام في الطريق
__________________________
(١) أنساب الأشراف : ٣ : ٣٩٢ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣١٥ . البداية والنهاية : ٨ :١٧٨ .
(٢) تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣١٥ و ٣١٦ . الفتوح : ٥ : ٩٨ .
(٣) أنساب الأشراف : ٣ : ٣٩٢ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣١٦ .