أهل الكوفة لعلّ بعضهم أن يرجع إلى الحقّ ، ويثوب إلى الرشاد ، فأذن له الإمام في ذلك .
فانبرى الحرّ إليهم رافعاً صوته : « يا أهل الكوفة ، لأُمّكم الهَبَل (١) والعَبَر (٢) ، أدعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ؟
أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب ، ومنعتموه من التوجّه في بلاد الله العريضة حتىٰ يأمن ويأمن أهل بيته ، فأصبح كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ، ولا يدفع عنها ضرّاً ، وَحَلّأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهودي والنصراني والمجوسي ، ويتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم أُولاء قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمداً في ذريته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه » (٣) .
وودّ الكثير منهم أن تسيخ بهم الأرض ، فهم على يقين بضلالة حربهم ، إلّا أنّهم استجابوا لرغباتهم النفسيّة في حبّ البقاء ، وتوقّح بعضهم فرموا الحرّ بالنبل وكان ذلك ما يملكونه من حجّة في الميدان .
السَّلَامُ عَلَى الْحُرِّ بْنِ يَزيدَ الرِّياحِيَّ
__________________________
(١) الهبل : الثكل والفقد . لسان العرب : ١٥ : ٢٠ ـ هبل .
(٢) العبر : البكاء وجريان الدمع . لسان العرب : ٩ : ١٨ ـ عبر .
(٣) تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٢٦ . الإرشاد : ٢ : ١٠٠ و ١٠١ . أنساب الأشراف : ٣ : ٣٩٨ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٨٩ .