يابن أبي تراب ، لو كان وجه الأرض كلّه ماءً وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلّا أن تدخلوا في بيعة يزيد .
لقد بلغت الخسّة ، ولؤم العنصر ، وخبث السريرة بهذا الرجس إلى مستوى ما له من قرار .
وقفل أبو الفضل راجعاً إلى أخيه فأخبره بعتوّ القوم وطغيانهم ، وسمع فخر عدنان صراخ الأطفال وهم يستغيثون وينادون : العطش . . العطش (١) .
ورآهم أبو الفضل قد ذبلت شفاهم ، وتغيّرت ألوانهم ، وأشرفوا على الهلاك من شدّة العطش ، وفزع أبو الفضل ، وسرى الألم العاصف في محيّاه ، واندفع ببسالة لاغاثتهم ، فركب فرسه وأخذ معه القربة ، فاقتحم الفرات ، فانهزم الجيش من بين يديه ، واستطاع أن يفكّ الحصار الذي فرض على الماء ، فاحتلّه ، وكان قلبه الشريف كصالية الغضا من شدّة العطش ، فاغترف من الماء غرفة ليشرب منه ، إلّا أنّه تذكّر عطش أخيه ، ومن معه من النساء والأطفال ، فرمى الماء من يده ، وامتنع أن يروي غليله ، وقال :
يَا نَفْسُ مِن بَعْدِ الحُسِينِ هُونِي |
|
وَبَعْدَهُ لا كُنْتِ أن تَكُونِي |
هَذا الحُسَينُ وَارِدَ المَنُونِ |
|
وَتَشْرَبِينَ بَارِدَ المَعِينِ |
تَاللهِ مَا هَذَا فِعَالُ دِينِي |
|
وَلَا فِعَالُ صَادِقِ اليَقِينِ (٢) |
إنّ الإنسانية بكل إجلال وإكبار لتحيّي هذه الروح العظيمة التي تألّقت في دنيا الفضيلة والإسلام ، وهي تلقي على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة الإنسانية .
إنّ هذا الايثار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان كان من أبرز الذاتيّات في خُلق
__________________________
(١) معالي السبطين : ١ : ٤٤٤ و ٤٤٥ .
(٢) مقتل الحسين عليهالسلام / أبو مخنف : ٦١ . مقتل الحسين عليهالسلام / المقرّم : ٣٣٦ .