وما نشروه من الذعر والخوف بين المسلمين .
وبعث الإمام إليهم بعض رسله يعذلهم عن فكرتهم ، ويرشدهم إلى طريق الحقّ والصواب ، فلم يجد ذلك معهم شيئاً ، فانطلق عليهالسلام بنفسه إليهم ، ومعه أعلام أصحابه ، فجعل يناظرهم ، ويقيم الأدلّة الوثيقة على فساد رأيهم ، وضلالة قصدهم ، فاستجاب له قوم ، وأبى قوم آخرون ، وجعل الأمر يمعن في الفساد بين الإمام وبينهم ، وأخذوا ينشرون الارهاب ، وأعمال التخريب ، ويعيثون في الأرض فساداً ، وقد رحلوا عن الكوفة ، وعسكروا في النهروان ، واجتاز عليهم الصحابي الجليل عبد الله بن خبّاب ابن الأرت ، وهو من أعلام أصحاب الإمام ، فدارت بينه وبينهم أحاديث ، فعمدوا إليه فقتلوه ، وقتلوا معه السيّدة زوجته ، ولم يقف شرّهم عند هذا الحدّ ، وإنّما أخذوا يذيعون الذعر والخوف بين المسلمين .
وبعث الإمام إليهم الحارث بن مرّة العبدي ليسألهم عمّا أحدثوه من الفساد ، فلمّا انتهى إليهم أجهزوا عليه وقتلوه ، ورأى الإمام بعد هذا أنّهم يشكّلون خطراً كبيراً على دولته ، وأنّهم مصدر فتنة وتخريب بين المسلمين ، وأنّ الواجب يقضي بحربهم فزحف إليهم بجيشه ، ودارت بينه وبينهم معركة رهيبة ، فقتلوا عن آخرهم ولم يفلت منهم إلّا تسعة (١) .
وانتهت بذلك حرب النهروان ، وقد شاهد أبو الفضل العبّاس عليهالسلام هذه الحرب ووقف على دوافعها التي كان منها كراهة هؤلاء القوم لعدل الإمام ، وتفانيه في إقامة الحقّ بين الناس .
ومن الجدير بالذكر أنّ أبا الفضل العبّاس عليهالسلام لم يشترك في حرب النهروان ولا في
__________________________
(١) الملل والنحل / الشهرستاني : ١ : ١٥٩ ، وجاء فيه : أنّه انهزم منهم اثنان إلى عمان ، واثنان إلى كرمان ، واثنان إلى سجستان ، واثنان إلى الجزيرة ، وواحد إلى تل موزون ، وأخذ هؤلاء يبثّون فكرتهم في هذه المواضع حتى ظهرت بدعة الخوارج .