بلا خلاف إلا من ابن المسيب (١) ويدل على ذلك بعد الإجماع قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (٢) الآية. لأنه تعالى فاضل بين المجاهدين والقاعدين ، ووعد كلا منهم الحسنى ، وهذا يدل على أن القعود جائز وإن كان الجهاد أفضل منه.
وأما من يجب جهاده : فكل من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفار ، ومن أظهره وبغى على الإمام العادل ، وخرج عن طاعته ، أو قصد إلى أخذ مال المسلم وما هو في حكمه ، من مال الذمي ، وأشهر السلاح في بر أو بحر أو سفر أو حضر ، بلا خلاف.
فأما كيفية الجهاد وما يتعلق به وبالغنائم من الأحكام : فاعلم أنه ينبغي تأخير لقاء العدو إلى أن تزول الشمس ، وتصلى الصلاتان ، وأن يقدم قبل الحرب الإعذار والإنذار والاجتهاد في الدعاء إلى الحق ، وأن يمسك عن الحرب بعد ذلك كله حتى يبدأ بها العدو ، لتحق الحجة عليه ، ويتقلد بذلك البغي.
فإذا عزم أمير الجيش عليها ، استخار الله تعالى في ذلك ، ورغب إليه في النصر ، وعبأ (٣) أصحابه صفوفا ، وجعل كل فريق منهم تحت راية أشجعهم وأبصرهم بالحرب ، وجعل لهم شعارا يتعارفون به ، وقدم الدارع أمام الحاسر (٤) ، ووقف هو في القلب.
__________________
(١) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ القرشي المخزومي المتوفى سنة ١٠٠ قال قتادة : ما رأيت أحدا قط أعلم بالحلال والحرام منه ، لاحظ تهذيب التهذيب : ٤ ـ ٤٨. وذهب سعيد بن المسيب إلى ان الجهاد فرض عين لقوله تعالى (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) الآية ، لاحظ المغني لابن قدامة والشرح الكبير : ١٠ ـ ٢٦٥ كتاب الجهاد.
(٢) النساء : ٩٥.
(٣) عبأ الجيش : رتبهم في مواضعهم وهيأهم للحرب. مجمع البحرين.
(٤) رجل دارع : ذو درع على النسب ـ كما قالوا : لابن وتامر ـ والحاسر ـ خلاف الدارع ـ : الذي لا بيضة على رأسه. لسان العرب.