أقول : وما ذكره ليس ببعيد ، وإن قلنا بوجوب أداء الدّين من الفاضل من مستثنياته ؛ لعدم المنافاة بين وجوب الأداء من ماله وجواز أخذ الزكاة لأدائه ، وهو المطابق لظاهر الآية.
ولقائل أن يقول بجواز الأداء من سهم الفقراء أيضاً ؛ لأنّه يصدق على من يجب شرعاً صرف بعض ما يملكه من قوت السنة في دينه وهو عازم على الأداء ، أنّه غير واجد لقوت السنة ، فهو فقير.
وأمّا ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر ، عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل منّا يكون عنده الشيء يتبلّغ به ، وعليه دين ، أيطعمه عياله حتّى يأتيه الله تعالى الميسرة فيقضي دينه ، أو يستقرض على ظهره في جدب الزمان وشدّة المكاسب ، أو يقضي بما عنده دينه ويقبل الصدقة؟ قال : «يقضي بما عنده ويقبل الصدقة» (١) ، الحديث ، فلا ينافي ما ذكرناه ؛ إذ ترجيح الإمام أحد مسئولات السائل المتوهّم حظر أخذ الزكاة إذا كانت عنده بُلغة لا يفيد إلا جواز أخذ الزكاة ، وتقديم قضاء الدين على أخذ الزكاة المطابق لسؤال السائل ، مع أنّ فوريّة وجوب الأداء مع التمكّن بالفعل ، وتوقّف أخذ الزكاة على زمان لا يستلزم عدم جواز أخذ الزكاة قبل أداء الدين ، سيّما مع عدم المطابقة ، وهذا واضح.
وكيف كان فلا ريب في رجحان تقديم أداء الدين ، خروجاً عن الخلاف ، وموافقته مع الرواية على بعض وجوهها.
ثمّ إنّ العلامة رحمهالله ذكر في جملة من كتبه أنّه لا يشترط العجز والفقر إذا كانت الاستدانة لأجل مصلحة ذات البين ، وإطفاء نائرة الفساد ، بسبب تشاجر في قتل أو إتلاف مال (٢) ؛ لإطلاق الآية ، ولقوله عليهالسلام : «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلا لخمسة» وذكر رجلاً تحمّل حمالة (٣)
__________________
(١) السرائر ٣ : ٥٩٠ ، الوسائل ٦ : ٢٠٧ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٤٧ ح ١.
(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٣٩٢.
(٣) سنن أبي داود ٢ : ١١٩ ح ١٦٣٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٩٠ ح ١٨٤١.