فيحتاج في إثبات هذا التكليف وتجديده إلى دليل شرعي ، وأصل البراءة وأصل العدم من الأدلّة الشرعيّة.
وحيث يحتاج في تحديد (١) المثل إلى تحديد مقدار العين ، ولا يمكن إلا بذلك بالفرض ، فنقول : إذ التكليف بمثل ما في نفس الأمر غير متيقن ، ولا ظنّي ، بل مرجوح ؛ لأنّ ظاهر الأمر بإعطاء المثل إنّما هو فيما علمت حقيقة المثل ، ولو قلنا بإرادة نفس الأمر للزم في مثل قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٢) أنّ المعتدى عليه إذا كان جاهلاً بالمقدار لجاز له الأخذ بالمثل النفس الأمري ، وهو غير ممكن في حقّه ، فالأصل يقتضي كون التالف هو الأقل ، فيجب علينا إخراج مثله ، كما في استصحاب النجاسة والرجوع في المطهر إلى أقلّ الأمرين بسبب الرجحان الظني في أحدهما بحسب الدليل الشرعي أو التخيير واختيار الأقلّ لأصل البراءة ، كما لو تردد مطهّر البئر بين نزح ثلاثين دلواً أو أربعين ، وفي الولوغ بين الثلاث والسبع ، وقد بيّنا ذلك في القوانين.
فنقول : الأصل عدم زيادة المال الحرام في نفس الأمر عن الأقلّ ، ويلزمه عدم اشتغال الذمة بالزائد ، وهذا الكلام في المال الذي وصل إليه من الغير أوضح ، سيّما إذا كان الغير حيّاً.
وأوضح منه : ما لو استقرض أحد تدريجاً وشك في الزائد ؛ لعدم تيقن الاشتغال حينئذٍ ، ولو ثبت فالظاهر أنّ النسيان يمحوه مع عدم التقصير وصدق النيّة.
هذا كلّه إذا جهل المالك ، فإن علم المالك ، وجهل المقدار ، فقيل : تجب مصالحته إن كان حيّاً ، أو وارثه إن كان ميتاً ، وإن لم يكن له وارث فهو من الأنفال ، وسيجيء مصرفها (٣).
__________________
(١) في «ح» : تجديد.
(٢) البقرة : ١٩٤.
(٣) المنتهي ١ : ٥٤٨ ، الروضة البهيّة ٢ : ٦٧.