فإن قلت : إنّ الغاصب المصرّ على الظلم إذا غصب مال أحد ونسي مقداره وأُريد الانتزاع منه ، فكيف يكتفى بأخذ ما يتيقّن من المقدار مع أنّه حين الغصب صار ضامناً لما أخذه في الواقع؟ فلو أراد الخلاص عمّا كتبه الكرام الكاتبين حين الأخذ في زبر أعماله فكيف يعتمد على أصالة البراءة عن الزائد؟ وكذلك إذا غصب صرّةً من دنانير لا يعرف قدرها وأخرجها تدريجاً في معيشته.
نعم قد لا يمكن للحاكم إجباره على الزائد إن لم يقدر المدّعى على الإثبات مثلاً ، وعدم ثبوت التكليف حينئذٍ على الزائد ظاهراً لا ينفي كونه مكلّفاً بإزاحة ما في كتاب عمله.
فإن قيل : التكليف به تكليف بما لا يطاق ، حيث إنّه جاهل به.
قلنا : إنّه مقدور بإتيان مقدّمته ، وهو الإتيان بما يتيقّن معه البراءة ، مع أنّه هو الباعث على هذا التكليف ، ولا مانع عقلاً عندنا أيضاً.
نعم لو تاب وندم وأراد الخلاص فلعلّه يمكن القول بعدم جواز التكليف بما لا يطاق ، ولكن المفروض أنّه ليس فوق طاقته ، فلا يجدي هذا الكلام في شيء.
نعم هذا الكلام يجري في قضاء الفوائت مع التوبة ؛ إذ المعيار هنا هو الفرض الجديد على التحقيق ، واشتغال الذمة بشيء في الوقت لا يثبت وجوب رفعه في خارج الوقت ، ولا ينصرف عموم «فليقض ما فاتته» إلى المجهول كما لا يخفى ، وهذا أيضاً إنّما يجري فيما نسي الفائت من الأصل ، وأمّا لو كان متذكراً له بعد الوقت ثمّ نسي فيجري فيه الكلام السابق.
وبالجملة : الذي ثبت من الحديث النبويّ عدم المؤاخذة على المعصية نسياناً ، لا أنّ نسيان المعصية يمحوها عن كتاب الأعمال ، فلا يمكن أن يقال : الان نحن مكلّفون بتدارك المعصية ، ولم يثبت هذا التكليف إلا بما يتيقن الاشتغال به الان.
قلت : إنّ استصحاب اشتغال الذمّة إنّما يدلّ على وجوب ردّ العين المغصوبة مهما أمكن ، وإذا تلفت العين أو اختلطت بحيث لم تتميّز ، فالتكليف إنّما هو التوبة وردّ المثل أو القيمة ، وهذا التكليف تكليف جديد ، وإن كان منشؤه سبب التكليف القديم ،