في سبب النزول ، ولا يشترط في المناسبة لأن المقصود منها وضع آية في موضع يناسبها ؛ والآيات كانت تنزل على أسبابها ، ويأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بوضعها في المواضع التي علم من الله تعالى أنها مواضعها.
ومن فوائد هذا العلم إزالة الإشكال ؛ ففي «الصحيح» (١) عن مروان بن الحكم (٢) : «أنّه بعث إلى ابن عباس يسأله : لئن كان كلّ امرئ فرح بما أوتي وأحبّ أن يحمد بما لم يفعل معذّبا ، لنعذّبنّ أجمعون ، فقال ابن عباس : هذه الآية نزلت في أهل الكتاب ؛ ثم تلا : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران : ١٨٧) إلى قوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) (آل عمران : ١٨٨) ، قال ابن عباس : سألهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره ؛ فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ؛ فاستحمدوا [٤ / ب] بذلك إليه ؛ وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم (٣) ما سألهم عنه». انتهى.
قال بعضهم : وما أجاب به ابن عباس عن سؤال مروان لا يكفي ؛ لأن اللفظ أعمّ من السبب ؛ ويشهد له قوله صلىاللهعليهوسلم : «المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور (٤)» ، [و] (٥) إنما الجواب أن الوعيد مرتّب على أثر الأمرين المذكورين ؛ وهما الفرح وحبّ الحمد ؛ لا عليهما أنفسهما ؛ إذ هما من الأمور الطبيعيّة التي لا يتعلّق بها التكليف أمرا ولا نهيا.
قلت : لا يخفي عن ابن عباس رضياللهعنه أن اللفظ أعم من السبب ؛ لكنه
__________________
(١) الحديث متفق عليه من رواية ابن عباس ، أخرجه البخاري في صحيحه ٨ / ٢٣٣ كتاب التفسير (٦٥) ، باب قوله تعالى (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) (١٦) ، الحديث (٤٥٦٧ ـ ٤٥٦٨). وأخرجه مسلم في صحيحه ٤ / ٢١٤٢ كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٥٠) الحديث (٧ / ٢٧٧٧ ـ ٨ / ٢٧٧٨).
(٢) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي وهو ابن عم عثمان وكاتبه في خلافته. ولد بعد الهجرة بسنتين روى عن كثير من كبار الصحابة منهم عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم ، وروى عنه كثير من التابعين منهم ابنه عبد الملك وعلي بن الحسين وعروة بن الزبير وغيرهم ، ولي إمرة المدينة لمعاوية توفي سنة ٦٥. (ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٤٥٥).
(٣) في المخطوطة : (الكتمان وما).
(٤) حديث متفق عليه من رواية أسماء رضياللهعنها ، أخرجه البخاري في صحيحه ٩ / ٣١٧ كتاب النكاح (٦٧) ، باب المتشبع بما لم ينل (١٠٦) ، الحديث (٥٢١٩) ، وأخرجه مسلم في صحيحه ٣ / ١٦٨١ كتاب اللباس والزينة (٣٧) ، باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره (٣٥) ، الحديث (١٢٦ / ٢١٢٩ ـ ١٢٧ / ٢١٣٠).
(٥) ساقطة من المطبوعة.