والحاصل أنّ كلّ شيء كان تعلّقه بما قبله كتعلّق البدل بالمبدل منه أو أقوى لا يجوز الوقف عليه.
(مسألة) (١) فصل بعضهم في الصفة بين أن تكون للاختصاص فيمتنع الوقف على موصوفها دونها ، وبين أن تكون للمدح فيجوز ، وجرى عليه الرّماني (٢) في الكلام على قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة : ١٥٥) ؛ قال : ويجوز الوقف عليه خلافا لبعضهم ، وعامل الصفة في المدح غير عامل الموصوف ، فلهذا جاز قطعها عما قبلها ، بخلاف الاختصاص فإنّ عاملها عامل الموصوف ، وسيأتي في كلام الزمخشريّ (٣) ما يؤيده.
(مسألة) لا خلاف في التسامح بالوقف على المستثنى منه دون المستثنى إذا كان متصلا ، واختلف في الاستثناء المنقطع ، فمنهم من يجوّزه مطلقا ، ومنهم من يمنعه مطلقا. وفصّل ابن الحاجب في «أماليه» (٤) فقال : «يجوز إن صرّح بالخبر ، ولا يجوز إن لم يصرّح به ؛ لأنه إذا صرح بالخبر استقلّت الجملة واستغنت عما قبلها ، وإذا لم يصرّح به كانت مفتقرة إلى ما قبلها. قال : ووجه من جوّز مطلقا أنه في معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه ، فكان مثل قولنا : زيد ، لمن قال : من أبوك! ألا ترى أن تقدير المنقطع في قولك : ما في الدار أحد إلا الحارث ؛ لكن الحارث في الدار ، ولو [٥٤ / أ] قلت : لكن الحارث ، مبتدئا به بعد
__________________
(١) جاء في حاشية المخطوطة في هذا الموضع تعليقة من قول علي بن مسعود بن محمود ، أبو سعد ، صاحب «المستوفي» في النحو ، هذا نصّها «عبارة السعد في قوله تعالى (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فإن قيل : إذا كان «الذين يؤمنون» مدحا منصوبا أو مرفوعا فهي جملة مستقلة لا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب ، فينبغي أن يكون الوقف على «المتقين» تاما ، قلنا هو في المعنى وصف لما قبله فكان تابعا له في الإعراب ، قال أبو علي : إذا ذكر الوصف للمدح أو الذم وخولف في بعضها الإعراب بعد ، خولف للافتنان ، وسمي نحو ذلك قطعا وللتنبيه على شدة هذا الاتصال يلزمه حذف الفعل والمبتدأ في النصب والرفع على المدح ليكون في صورة متعلق من متعلقات ما قبله».
(٢) هو علي بن عيسى بن علي أبو الحسن ، تقدم ذكره في ١ / ١١١.
(٣) انظر ص ٥١٢.
(٤) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر أبو عمرو ابن الحاجب تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦ ، وكتابه : «الأمالي النحوية» حققته بثينة الدبّاغ في الجزائر (انظر نشرة أخبار التراث العربي ٩ / ١٤) ، وطبع في بيروت بتحقيق هادي حسن حمودي وصدر عن عالم الكتب (أخبار التراث العربي ٣٠ / ٢١) ، وحققه عدنان صالح مصطفى (أخبار التراث العربي ٣٣ / ١٩) ، وحقق ثلاثة إملاءات منه كرسالة ماجستير سعيد عمر محمد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة ١٤٠٥ ه / ١٩٨٤ م (أخبار التراث العربي ٢٣ / ٢٧).