أسلاكا ، وأطلعت كواكب زهرها فعادت أفلاكا ، ومياه تسيل على أعطافي كأدمع العشاق ، وبرد نسيم يردّد ماء (١) المستجير بالانتشاق ، فحسني لا يطمع فيه ولا يحتال ، فدعوني فكل ذات ذيل تختال ، فأنا أولى بهذا السيّد الأعدل ، وما لي به من عوض ولا بدل ، ولم لا يعطف عليّ عنان مجده ويثني ، وإن أنشد يوما فإياي يعني : [الطويل]
بلاد بها عقّ الشباب تمائمي |
|
وأول أرض مسّ جلدي ترابها |
فما لكم تعتزون لفخري وتنتمون ، وتتأخرون في ميداني وتتقدمون ، تبرّءوا إليّ مما تزعمون ، (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة : ٤١].
فقالت مالقة : أتتركوني بينكم هملا ، ولم تعطوني في سيدنا أملا ، ولم ولي البحر العجاج ، والسبل الفجاج ، والجنّات الأثيرة ، والفواكه (٢) الكثيرة ، لديّ من البهجة ما تستغني به الحمام عن الهديل ، ولا تجنح الأنفس الرقاق الحواشي إلى تعويض عنه ولا تبديل ، فما لي لا أعطى في ناديكم كلاما ، ولا أنشر في جيش فخاركم أعلاما؟
فكأن الأمصار نظرتها ازدراء ، فلم تر لحديثها في ميدان الذكر إجراء ، لأنها موطن لا يحلى منه بطائل ، ونظن البلاد تأوّلت فيها قول القائل : [الوافر]
إذا نطق السفيه فلا تجبه |
|
فخير من إجابته السّكوت |
فقالت مرسية : أمامي تتعاطون الفخر ، وبحضرة الدّرّ تنفقون الصخر؟ إن عدّت المفاخر ، فلي منها الأول والآخر ، أين أوشالكم (٣) من بحري ، وخرزكم من لؤلؤ نحري ، وجعجعتكم (٤) من نفثات سحري؟ فلي الروض النّضير ، والمرأى الذي ما له من نظير ، ورتقاتي (٥) التي سار مثلها في الآفاق ، وتبرقع وجه جمالها بغرّة الإصفاق ، فمن دوحات ، كم لها من بكور وروحات ، ومن أرجاء ، إليها تمدّ أيدي الرجاء ، فأبنائي فيه (٦) في الجنة الدنيوية مودعون ، يتنعمون فيما يأخذون ويدعون ، ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم فيها ما يدّعون. فانقادوا لأمري ، وحاذروا اصطلاء جمري ، وخلّوا بيني وبين سيدنا أبي زيد ، وإلّا ضربتكم ضرب زيد ، فأنا أولاكم بهذا الملك المستأثر بالتعظيم ، (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣٥) [فصلت : ٣٥].
__________________
(١) في ب : يردّ ذماء.
(٢) في ب : والفاكهة.
(٣) الوشل : الماء القليل.
(٤) الجعجعة : صوت الرحى. والنفثات : كلام الساحر. وهنا النفثات الكلام البليغ الآخذ بالعقول والألباب.
(٥) في ب : وزنقاتي.
(٦) في ب : فيها.