ثم رحل لزيارة بيت المقدس في شهر ربيع الأول سنة ١٠٢٩ ه وأخذ يتردد إلى مكة والمدينة ، حتى كان في عام ١٠٣٧ قد زار مكة خمس مرات والمدينة المنورة سبع مرات وأملى فيهما دروسا عديدة ، كما أملى الحديث النبوي بجوار مقام الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وقد وفى هذا الجانب تفصيلا في كتابه (نفح الطيب) فقال : «وحصلت لي المجاورة فيها (في مكة) المسرات ، وأمليت فيها على قصد التبرك دروسا عديدة ، والله يحيل أيام العمر بالعود إليها مديدة ، ووفدت على طيبة المعظمة ميمما مناهجها السديدة سبع مرار ، وأطفأت بالعود إليها ما بالأكباد الحرار ، واستضأت بتلك الأنوار ، وألفت بحضرته صلّى الله عليه وسلّم بعض ما منّ الله به عليّ في ذلك الجوار ، وأمليت الحديث النبوي بمرأى منه عليه الصلاة والسلام ومسمع».
ورجع إلى مصر بعد حجته الخامسة في سنة ١٠٣٧ ه ثم رحل إلى القدس في شهر رجب من ذلك العام ، وأقام فيها خمسة وعشرين يوما ، وألقى عدة دروس بالمسجد الأقصى والصخرة ، وزار مقام إبراهيم الخليل عليه السلام ومزارات أخرى.
وفي منتصف شعبان عزم على التوجه إلى دمشق ، وهناك تلقاه المغاربة وأنزلوه في مكان لا يليق به ، فأرسل إليه أحد أدباء دمشق البارزين أحمد بن شاهين مفتاح المدرسة الجقمقية ، وكتب مع المفتاح هذه الأبيات :
كنف المقري شيخي مقرّي |
|
وإليه من الزمان مفرّي |
كنف مثل صدره في اتساع |
|
وعلوم كالبحر في ضمن بحر |
أي بدر قد أطلع الدهر منه |
|
ملأ الشرق نوره؟ أيّ بدر |
أحمد سيدي وشيخي وذخري |
|
وسميّي وذاك أشرف فخر |
لو بغير الأقدام يسعى مشوق |
|
جئته زائرا على وجه شكري |
فأجابه المقري بقوله :
أي نظم في حسنه حار فكري |
|
وتحلّى بدرّه صدر ذكري |
طائر الصيت لابن شاهين ينمى |
|
من بروض الندى له خير ذكر |
أحمد الممتطين ذروة مجد |
|
لعوان من المعاني وبكر |
حل مفتاح وصله باب وصل |
|
من معاني تعريفه دون نكر |
يا بديع الزمان دم في ازدياد |
|
بالعلا وازدياد تجنيس شكري |
وراقت المقري دمشق ، فبقي فيها عدة أسابيع وأملى بها صحيح البخاري في الجامع