الأموي ، ولم يتفق لغيره من العلماء الذين أمّوا دمشق ما اتفق له من الحظوة والإقبال ، وجرت بينه وبين علمائها وأدبائها مطارحات شتى ، وكان أكثر أدبائها إقبالا عليه وتعظيما له وإعجابا به الأديب الكبير أحمد شاهين القبرصي الأصل.
ويصف لنا المحبّي إقبال الدمشقيين على المقري بقوله :
«وأملى صحيح البخاري بالجامع تحت قبة النسر بعد صلاة الصبح ، ولما كثر الناس بعد أيام خرج إلى صحن الجامع تجاه القبة المعروفة بالباعونية وحضره غالب أعيان علماء دمشق ، وأما الطلبة فلم يتخلف منهم أحد ، وكان يوم ختمه حافلا جدا ، اجتمع فيه الألوف من الناس ، وعلت الأصوات بالبكاء ، فنقلت حلقة الدرس إلى وسط الصحن إلى الباب الذي يوضع فيه العلم النبوي في الجمعات من رجب وشعبان ورمضان ، وأتي له بكرسيّ الوعظ ، فصعد عليه ، وتكلم بكلام في العقائد والحديث لم يسمع نظيره قطّ ، وتكلم على ترجمة البخاري ، وأنشد له بيتين ، وأفاد أنه ليس للبخاري غيرهما ، وهما :
اغتنم في الفراغ فضل ركوع |
|
فعسى أن يكون موتك بغته |
كم صحيح قد مات قبل سقيم |
|
ذهبت نفسه النفيسة فلته |
ونزل عن الكرسيّ ، فازدحم الناس على تقبيل يده ، وكان ذلك نهار الأربعاء سابع عشر شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وألف» (١).
وقد تركت هذه الزيارة لدمشق في نفس المقري أجمل الأثر وأبقاه فكان يكثر من مدحها ، ومن محاسن شعره فيها قوله :
محاسن الشام جلّت |
|
عن أن تقاس بحدّ |
لو لا حمى الشرع قلنا |
|
ولم نقف عند حدّ |
كأنها معجزات |
|
مقرونة بالتحدّي |
وقوله :
قال لي : ما تقول في الشام حبر |
|
شام من بارق العلا ما شامه |
قلت : ما ذا أقول في وصف أرض |
|
هي في جنة المحاسن شامه |
__________________
(١) خلاصة الأثر ج ١ ص ٣٠٥.