بينهم السحاب (١) ، وزند التذكّر يقدح الأسف فيهيج الانتحاب ، وقد تمثّلنا إذ ذاك والجوانح من الجوى في التهاب ، وذخائر الصبر ذات انتهاب ، بقول بعض من مزّق البعد منه الإهاب : [الطويل]
ولمّا نزلنا منزلا طلّه النّدى |
|
أنيقا وبستانا من النّور حاليا (٢) |
أجدّ لنا طيب المكان وحسنه |
|
منى فتمنّينا فكنت الأمانيا (٣) |
وقد طفت في شرق البلاد وغربها |
|
وسيّرت خيلي بينها وركابيا |
فلم أر منها مثل بغداد منزلا |
|
ولم أر فيها مثل دجلة واديا |
ولا مثل أهليها أرقّ شمائلا |
|
وأعذب ألفاظا وأحلى معانيا |
وبقول من تأسّف على مغاني التداني ، وهو أبو الحجاج الأندلسي الداني (٤) : [الطويل]
أبى الله إلّا أن أفارق منزلا |
|
يطالعني وجه المنى فيه سافرا |
كأنّ على الأيام حين غشيته |
|
يمينا فلم أحلله إلّا مسافرا |
وتخيّلنا أنّ إقامتنا بدمشق وقاها الله كل صرف ، ما كانت إلّا خطرة طيف ملمّ أو لمحة طرف : [الوافر]
وقفنا ساعة ثم ارتحلنا |
|
وما يغني المشوق وقوف ساعه |
كأنّ الشّمل لم يك في اجتماع |
|
إذا ما شتّت البين اجتماعه |
وطالما علّلت النفس بالعود إليها ثم إلى بقاعي ، منشدا قول الأديب الشهير بابن الفقاعي (٥) : [الطويل]
متى عاينت عيناي أعلام حاجر |
|
جعلت مواطي العيس فوق محاجري |
وإن لاح من أرض العواصم بارق |
|
رجعت بأحشاء صواد صوادر (٦) |
سقى الله هاتيك المواطن والرّبا |
|
مواطر أجفان هوام هوامر |
__________________
(١) السحاب : هنا المطر.
(٢) النّور : بفتح النون وسكون الواو : الزهر ، أو الأبيض منه.
(٣) في ب : فكانوا.
(٤) هو أبو الحجاج يوسف بن عبد الله الفهري الداني ، تولى أحكام بلنسبة ت (٥٩٢ ه).
(٥) هو محمد بن غازي الموصلي (٦٢٩ ه) شاعر دمشقي ينسب إلى الفقاع وهو نوع من الشراب (انظر : الوافي ٤ : ٣٠٦).
(٦) صواد : جمع صادية ، وهي العطشى.