قلت : التعبد بالمتيقن في الاستصحاب فرع عدم نقض اليقين ، لعدم صلوح الشك له ، فمع فرض انتفاض اليقين بالأمارة ـ بمقتضى إطلاق دليلها ـ لا مجال للتعبد بالمتيقن ، فالاستصحاب مع الأمارة ، كاللامقتضي مع المقتضي ، حيث لا شك في تأثير المقتضي مع اجتماعهما.
ولذا لا إشكال في أنه لو ثبت عدم نقض خبر زيد بخبر عمرو ونقضه بخبر بكر ، لزم العمل بخبر بكر ونقض خبر زيد به ، وإن اجتمع مع خبر عمرو. فالاستصحاب مع الأمارة كحكم العنوان الأولي مع حكم العنوان الثانوي ، الذي يكون عليه العمل به عند اجتماعهما.
إن قلت : هذا إنما يقتضي تقديم الأمارة على الاستصحاب مع اختلافهما ، أما مع اتفاقهما فهو لا يقتضي تقديمها ، بل جريانهما معا ، لاجتماع موضوعيهما ، مع أن المرتكز تقدم الأمارة رتبة ، كيف! ولازم جريانهما معا سقوطه مع الأمارة الموافقة له لو فرض تعارض الأمارتين ، مع ظهور اتفاقهم ـ تبعا للمرتكزات ـ على كونه مرجعا بعد تعارض الأمارتين.
قلت : مرجع المرتكزات العقلائية في المقام على تقدم الأمارة على الاستصحاب رتبة ليس إلى ارتفاع موضوعه معها ، بل إلى كونها الأولى بأن يعول عليها عند اجتماعهما بملاك أن الاعتماد في البناء على بقاء الشيء على المقتضي إثباتا لبقائه المستقل بالتأثير أولى من الاعتماد فيه على عدم المقتضي ثبوتا لارتفاعه بلحاظ أن من شأنه البقاء ، لأن مبنى الاستصحاب على البناء على بقاء الشيء لعدم الدليل على ارتفاعه ، ومبنى الأمارة الموافقة له على البناء على البقاء لكونها دليلا عليه.
واختلافهما في ذلك هو الموجب لكونه مرجعا بعد تساقط الأمارتين المتعارضتين ، لوضوح أن التزاحم إنما هو بين الجهتين الاقتضائيتين ، ولا دخل للجهة غير الاقتضائية فيه ، بل تكون هي المرجع بعد سقوط الجهتين