محركية التكليف ووجوب إطاعته تابع لفعليته ، ولا يكفي في فعلية التكليف سبق تحقق منشأ انتزاعه مع ارتفاعه رأسا ، بل لا بد من تحققه حينه.
بل التحقيق : أن موضوع وجوب الاطاعة عقلا ليس خصوص التكليف المنتزع من الإرادة والكراهة أو ملاكهما في ظرف إبراز المولى له ببيان منه ، بل يكفي الملاك المذكور ، ولو مع غفلة المولى عنه رأسا ، أو عجزه عن بيانه بابراز التكليف ، لو فرض اطلاع المكلف عليه من غير طريق المولى. ولذا يجب عقلا بملاك وجوب امتثال التكليف مثل دفع الضرر عن المولى أو عمن يهمه أمره ، وإن غفل المولى عن توجهه إليه ، أو عجز عن بيان التكليف به ، وإن لم ينتزع التكليف بنظر العقلاء حينئذ.
هذا كله بناء على انتزاع التكليف من الإرادة والكراهة أو ملاكهما ، أما بناء على كونه من الاعتبارات فيجري فيه ما تقدم عند الكلام في محذور التفكيك بين الجعل والمجعول ، من أن الجعل الكبروي ليس تمام العلة للأمر الاعتباري ، بل هو مقدمة إعدادية له ، وتمام علته عرفا بفعلية ما علق عليه ، فلا وجود له قبله حتى يستصحب.
ومن جميع ما تقدم ظهر أن النسخ إنما يكون رفعا للحكم الكبروي الذي هو مقدمة إعدادية للحكم الوضعي الفعلي ، وكاشف عن الحكم التكليفي ، بناء على انتزاعه عن الإرادة.
أما بالإضافة إلى الحكم الفعلي الحقيقي الذي هو مورد العمل فلا يكون رفعا له إلا إذا كان بعد فعليته وتمامية موضوعه ، وأما قبل ذلك فهو دفع ثبوتا أو إثباتا.
الرابع : ما قد يظهر من المحقق الخراساني قدّس سرّه من أن الاستصحاب لما كان متضمنا للحكم بالبقاء كان متمما لدلالة الدليل لو فرض إجمال أمد الحكم فيه ، فالجمع بين الدليل الدال على الثبوت والاستصحاب يقتضي البناء على البقاء ،