الشريعة السابقة ، كما يقتضيه ما يفصل بينهما دل على نسخ هذه الشريعة لتلك.
وهو كما ترى! إذ لا معنى لنسخ الحكم الإلهي بمثله.
ومجرد اختلاف الشريعتين لا يصححه بعد رجوعهما إلى مقام الكشف والتبليغ مع وحدة الحاكم.
وما تضمن نسخ شريعتنا لما قبلها لا يراد به نسخ جميع أحكامها بها ، بل ليس إلا منافاتها لها في الجملة وتقديمها في مورد المنافاة ، فأحكام تلك الشرائع خاضعة للتبديل بهذه الشريعة وإن لم تتبدل بها كلها لعدم منافاة بعضها لها.
كما قد يشهد به قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ، لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ...)(١).
ومن الغريب ما ذكره من انتهاء أمد جعل الحكم الأول.
إذ لا معنى لنسخ الحكم مع انتهاء أمده ، فان النسخ رفع الحكم الثابت.
ومنه يظهر أنه لا حاجة للامضاء حينئذ ، كي يكون مقتضى الأصل عدمه ـ خلافا لما يظهر من بعض الأعاظم قدّس سرّه ـ
إذ هو إنما يصح مع اختلاف الحاكم ، كإمضاء الشارع للأحكام العرفية ، دون مثل المقام مما اتحد فيه الحاكم واختلف المبلغ ، بل الحكم المحتاج للامضاء لا يقبل النسخ ، فإن الحكم الذي من شأنه المضي بنفسه يقبل النسخ دون الامضاء ، والذي ليس من شأنه المضي بنفسه يقبل الامضاء دون النسخ ، فلو أحرز الحكم الإلهي بأصالة عدم النسخ أو الاستصحاب ترتب الأثر عليه وإن لم يحرز إمضاؤه بذلك.
نعم ، لا بأس بدعوى الإمضاء في مقام الإثبات ، الراجع إلى استناد جميع
__________________
(١) سورة المائدة ٤٨.