حياتهم صورة عن ذلك في البداية والنهاية ، فهو الموضوع القرآني المتكرر المتحرك في أكثر من أسلوب ، وفي أكثر من مضمون.
* * *
تسخير ما في السموات والأرض
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فقد جعل الكون مرتبطا في نظامه بكل ظواهره ، فلكل واحد منها موقع معين ودور خاص ، في تنظيم الأوضاع المتعلقة بكل الموجودات فيه من إنسان وحيوان ونبات ، من خلال اتصالها باستمرار الحياة ، وحركيتها وتنوّع خصائصها ، مما يجعل ذلك كله مسخرا للناس تسخير الأشياء لمن ينتفع بها من خلال نتائجها ، كما نلاحظه من إنزال الماء ليكون منه كل شيء حيّ وليستمر به الوجود الحيّ في شروطه الطبيعية ، ومن إشراق الشمس لتعطي الدفء والحرارة والنور مما هو شرط للحياة في طبيعتها ونموّها ، ومن إنبات النبات وتفجير الينابيع والأنهار ، والقوانين المودعة في أنحاء الكون ، والتي تحكم الوجود كله ، فقد جعل الله لكل شيء قدرا ، (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) مما ترونه وتحسونه ويتصل بحياتكم المادية الجسدية ، في ما خلق لكم من الأعضاء والأجهزة الداخلية المرتبطة بالنظام العام للوجود الإنساني المتصل بالنظام الكوني كله ، وفي ما أخرجه لكم من طيبات الرزق فتأكلونه وتشربونه وتستمتعون به وتلبسونه ، وفي ما مهّد لكم من الأرض التي تستقرون عليها وترتاحون فيها ، وفي ما أحاطكم به وسلطكم عليه ، من وسائل الأمن والراحة ، وفي ما خلقه لكم من العقل والشعور والإرادة ، وما تعهدكم به من خفايا الأمور التي تستفيدون منها بشكل طبيعيّ من دون التفات وشعور ، وفي ما أنزله عليكم من الوحي الإلهي في خط