مظاهر التدبير الكوني
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى). في هذه الصورة المتحركة في حركة الكون من حولك ، على أساس التدبير الإلهي في النظام الكوني العام في دائرة الزمن حيث يزيد الليل تارة وينقص أخرى ، كما يحدث ذلك في النهار في نظام ثابت في آفاق هذه الحركة. وهكذا يلاحظ الإنسان كيف سخّر الله الشمس والقمر لتحقيق الغايات التي أرادها فيهما لمصلحة الحياة والإنسان ، وكيف يتحركان في نظامهما الكوني ، في اختلاف طلوعهما وغروبهما ، واختلاف جريانهما ومسيرهما في الحس الظاهر من دون حدوث أيّ خلل في هذا أو ذاك ، مهما امتد الكون وامتدت الحياة ، مما يوحي بالنظام المبدع ، والتدبير الدقيق ، والعلم الواسع المطلق الذي يجعل الأشياء كلها حاضرة أمامه ، قبل وجودها ، وبعد وجودها ، كما يوحي للإنسان ، في عمق شعوره ، باطلاعه على كل دقائق أعماله ، فيدفعه ذلك إلى الانضباط في حركته ، والتوازن في موقفه ، والإحساس بالرقابة الدائمة عليه ، من خلال الحقيقة الإلهية المنطلقة من إحاطة الله وخبرته بالأعمال والأقوال ، في دائرة خبرته بالإنسان كله ، (وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فكيف تنكرون ذلك في سلوككم ، في الوقت الذي يفرضه عليكم إحساسكم بوجودكم. (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) فهو الحقيقة الثابتة في عمق الوجود كله ، بكل ظواهره ومفرداته وتفاصيله ، لأن كل شيء مستند إليه ، وخاضع لإرادته ، ومفتقر إليه ، وموجود به ، مما يجعل الأشياء بمنزلة الظل والصدى الذي لا قوام له بنفسه ، بينما يقوم الله ـ سبحانه ـ بذاته.
ومن خلال ذلك ، نتعرف الحق في ربوبيته وألوهيته المطلقة ، وعبودية كل الموجودات له ، فلا شريك له ولا نظير ، ولا شبيه ولا وزير ، وهكذا تنطلق