كلمات الله لا تنفد
(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) لتكتب كل ما أبدعه الله ، وما أنعم به ، وما دبّره ونظّمه ورعاه من كل ما مضى ، وما يبقى ، ليتحول ذلك إلى كلمات ، فلن تنتهي إلى نهاية محدودة ، لأن كلمات الله لا تنتهي عند حدّ معيّن ، فهي تنطلق من قدرته اللامتناهية ، فلو كانت الفرضية كما ذكر ، بل أكثر مما ذكر (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فهو القاهر بعزته فلا يقهره أحد ، وهو الحكيم بتدبيره في إتقان كل خلقه وإبداعه.
(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) فلا فرق بين خلق الواحد وخلق الجميع في قدرته ، كما لا فرق بين الواحد بعد الموت في الإمكان وبعث الجميع ، لأن الحديث عن الكثرة والقلة في حجم القدرة ، إنما هو في نطاق القدرات المحدودة ، التي قد يجهدها رقم كبير ، ويريحها رقم صغير ، ولكن الله سبحانه الذي يملك القدرة المطلقة التي تتحرك من موقع إرادته التي تقول للشيء كن فيكون ، لا يجهده الخلق مهما كان كثيرا مما يجعل القليل والكثير عنده على حدّ سواء (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) في ما يمثله ذلك من معنى الإحاطة التي تحيط بكل شيء يكشفه السمع أو البصر ، فلا يغيب عنه شيء ، كما لا يعجزه شيء. ولعل التعليل بهاتين الصفتين من صفاته ـ سبحانه ـ ينطلق من اختزان الفقرة الأولى في الآية معنى القدرة المطلقة في الوجود وفي الإحاطة ، مما قد يجعل للسمع وللبصر نوعا من تأكيد ذلك ، والله العالم.
* * *