علاقة الوجود بالله ، وحركة الإنسان في الخضوع لإرادته ، (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) في ما ينبغي له من الحمد في عمق صفاته الحسنى وفي ما يظهره من حقائق الأمور في العقيدة والحياة ، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لاستغراقهم في الغفلة الضائعة في أجواء الأحلام والشهوات ، فلا يملكون معها ما ينفتحون به على الحقيقة التوحيدية في آفاق الله ، ولا يطيقون الدخول في مناقشات جدّية حول ما هو الحق والباطل في هذه العقيدة أو تلك ، بل يرتبطون بالجانب السهل من القضايا والأساليب ، مما يجعلهم فريسة سهلة لكل المضلّلين والمنحرفين على الفكر والموقف.
وتبقى القلّة من الناس ، التي تملك العقل والإرادة والعمق في الأمور ، فتواجه العقيدة من موقع الفكر الجدّي ، والمتابعة الدائبة ، والحوار العلمي الرصين ، والنفس الطويل الذي يرصد الفكرة البعيدة ليقترب منها بالبحث والتأمّل ، ليصل إليها ولو بعد حين ، فيؤمنون من خلال ذلك بالله ، ويلتزمون نهجه ، ويتحركون في هداه.
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهذه هي الحقيقة الكونية التي تنطلق من عمق الإيمان بأن الخالق هو المالك ، فإذا كان ما في السماوات والأرض مخلوقا له ، فلا بدّ من أن يكون مملوكا له ، (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فهو الغني عن خلقه بذاته ، من موقع افتقارهم المطلق إليه من طبيعة ذواتهم ، وهو المحمود في صفاته ، وكل حمد لغيره فهو مستمد من حمده ، في خلقه الذي أبدعه ، وفي نعمه التي أعطاها ، التي لا يحدّها شيء ، ولا يحصيها عدد.
* * *