الرسالة بكل الأساليب المقنعة ، والحجج القويّة ، فلم تدع مجالا لشبهة ، ولم تترك موقعا لتساؤل ، وفتحت لهم كل أبواب الوضوح في الرؤية ، ورغّبتهم بكل وسائل الترغيب ، وخوّفتهم بكل مواقع التخويف ، فلم يستجيبوا لك وأصرّوا على التمرّد ، مما يوحي بأنهم لا يتحركون من موقع شبهة بل من موقع عقدة ، فهم يعرفون الحقّ وينكرونه ، ويتحركون في الضلال ، وهم يتطلعون إلى مواقع الهدى في رسالتك ، فلا يستحقون هذه المشاعر الطاهرة التي تنبض بالرحمة لهم ، وإذا كنت تتألم وتحزن للكفر أن يقوى بهم ، وينتشر من خلالهم ، فإن الله هو الذي يملك القوّة ، ويملك مقاليد الأمور ، فسيرجع الجميع إلى الله ، (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) ليكون الحساب من موقع الحجة الدامغة التي تعرفهم بكل ما أظهروه وما أضمروه (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) في الأفكار العميقة الخفية ، والمشاعر الدقيقة الغامضة.
وهكذا ينالون جزاء أعمالهم بكل عدالة واستقامة ، بعد أن أفسح لهم المجال الواسع للتجربة الحية في إرادة الإنسان بين الهدى والضلال (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) في الدنيا (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) فنقودهم إلى المصير الأسود الذي ينتظرهم في النار جزاء لكفرهم في العذاب الشديد ، وفي كلمة «نضطرهم» معنى القهر والقوّة.
* * *
معرفة الله فطرية
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) من منطق الفطرة التي تكتشف الله في كل مظهر من مظاهر الوجود بشكل عفويّ طبيعي ، مما يفرض عليهم أن يلتزموا بنتائج الاعتراف بهذا المنطق ، في الجانب التفصيلي من