في أنفسهم من موقع التواضع لله الذي لا ينبغي لأحد من خلقه أن يعيش الشعور بالعظمة الذاتية أمامه ، ويتواضعون لله في قيامهم وركوعهم وسجودهم ليشعروا ـ دائما ـ بالحاجة إليه ، والانقياد له ، والإقبال عليه ، فيزيدهم ذلك إيمانا به واستقامة على خطّه المستقيم ، وإقرارا بأن كل شيء يملكونه في أنفسهم وفي ما حولهم ، فهو من عند الله وحده.
وعند ما يقبل الليل ، ويطبق على الكون بظلامه ، ويهدأ الناس في مراقدهم ، ويخلو الجوّ من كل ضجيج ، فإنهم ينتهزون فرصة هذا الهدوء الشامل الذي ينساب في المشاعر وفي
الأرواح ، ليقفوا بين يدي الله ، وقفة ابتهال وخشوع ودعاء (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) فيبتعدون عن النوم فيها ويلجأون إلى أماكن صلاتهم (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) لأنهم لا يخافون إلا من عقابه ، ولا يطمعون إلا برحمته ونعمته من دون إحساس بالذلّ في السؤال ، لأن الذل أمام الله من موقع العبودية ، هي قاعدة العزة أمام الآخرين. وكيف يحس الإنسان بالذل في سؤاله لربه ، وكل وجوده تجسيد لعبوديته له وخضوعه له ، مما يفرض عليه أن يؤكد ارتباطه به ، ليؤكد انفصاله عن غيره ، فليس للآخرين إلا دور الأداة في قضاء حاجاته (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) لأنهم لا يشعرون بأنانية الامتلاك في ما يملكهم الله إيّاه ، بل بمسؤولية القضاء في ذلك كله ، على أساس أن الملك ليس حالة امتياز ، بل وظيفة ومسئولية يحركها الإنسان في حاجاته ، ويستعين بها على قضاء حاجات غيره ، ممن أوكل الله أمرهم إليه ، وحمله مسئولية الإنفاق عليهم.
(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) في ما أعده الله لهم من ثوابه في جنته ومن لطفه في رحمته مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فترتاح له نفوسهم ، وتقرّ به عيونهم ، وينطلقون من خلاله إلى كل آفاق السعادة الدائمة (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) في الدنيا من طاعة الله في أوامره ونواهيه ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.