فإن الظاهر من هذا الحديث أن هناك اختلافا في المصطلح مع اتحاد الحكم فيهما.
(كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) أي يتداولونه بينهم فلا يكون للفقراء منه شيء. وجاء في مجمع البيان : قال الكلبي : نزلت في رؤساء المسلمين قالوا له : يا رسول الله خذ صفيّك والربع ودعنا والباقي ، فهكذا كنا نفعل في الجاهلية وأنشدوا :
لك المرباع منها والصفايا |
|
وحكمك والنشيطة والفضول |
فنزلت الآية ، فقالت الصحابة : سمعا وطاعة لأمر الله وأمر رسوله (١).
فإذا صح هذا الخبر كانت الآية رفضا للذهنية الطبقية التي تجعل الغنيمة في أمثال هذه الوقائع من نصيب الرؤساء الذين يملكون عادة المال الكثير ، بلحاظ ما تفرضه الرئاسة من الامتيازات المادية والمعنوية لأصحابها ، وما تمنعه من موقع السلطة عن الفقراء من خلال انحطاط مركزهم الاجتماعي ، لعدم قدرتهم على المطالبة بحقوقهم في ما يبذلونه من جهد في تفاصيل الحروب بما لا يبذله الرؤساء. وفي ضوء ذلك ، يتحرك هذا التعليل التشريعي ليواجه هذه الذهنية التي تتحرك في خطين ، خط حرمان الفقراء من جهد المعركة ، والابتعاد بالأموال العامة عن المصالح العامة التي يحتاجها المسلمون في قضاياهم المتنوعة التي تحتاج إلى رصيد عام في الحياة الإسلامية العامة ، وخط تجميع الثروة في أيدي الأغنياء لتكون محصورة بهم ، فتؤكد امتيازاتهم في حياة المسلمين ، مما يمتد إلى أن تكون قضاياهم المصيرية خاضعة لتأكيد أوضاعهم الطبقية البعيدة عن مصلحة المسلمين.
* * *
__________________
(١) مجمع البيان ، م : ٥ ، ص : ٣٩٢.