باعتبارها القاعدة التي يتحرك فيها المنهج الذي يقوم عليه العدل في حياة الناس ، فإنه لا معنى لحركة العدل في الواقع ، من دون شريعة تنظم له خطوطه ، أو حكم يشرف على إدارته وتنفيذه ، وسياسة تدير أوضاعه في ساحة الصراع ، وفي حركة الحكم أمام التحديات ، وفي سلامة الخط في أجواء الانحراف. وبذلك تكون هذه الآية دليلا على اندماج السياسة في حركة الدين وانطلاق الدين في آفاق الحكم ، ردا على الذين يعتبرون الدين حالة روحية ذاتية في علاقة الإنسان بربه ، بعيدا عن كل أوضاع الحياة المادية في تعقيداتها التفصيلية ، وفي مشاكلها المتنوعة المعقدة.
* * *
بأس الحديد ومنافعه
(وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) في ما يمثله من القوة التي تدير قضايا الحرب والسلم ، في ما يصنعه الإنسان منه من السلاح الذي يحمي به نفسه من كل الأخطار التي تواجهه ، ليربح الحرب من خلال قوته فيه ، ويثبت السلم في مواقعه المرتكزة على توازن القوة أو شموليتها ، ويجعل للعدل في حركة الناس قوة تمنع الظالمين من فرض سيطرتهم على الواقع ، وتؤكد الجانب التنفيذي في مواجهة الذين يريدون التمرد عليه والانحراف عنه.
(وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) في ما يشتمل عليه من الخصائص المتنوعة التي تتدخل في كل حاجات الحياة العامة والخاصة ، مما يجعل منه العنصر الأساس في صنع الحضارة في خطها العملي بكل مفرداتها ومعطياتها المختلفة (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) عند ما يستخدمون الحديد في مواقع القوة التي يتحرك فيها المؤمنون لنصرة الله في دينه ، ونصرة الرسل في حركتهم الرسالية ، ليتميزوا عن غيرهم من الكافرين الّذين يستخدمون القوة للتمرد على الله