بالله ، لأن ذلك لا ينسجم مع الأسلوب العملي للدعوة في اجتذاب الآخرين للإيمان ، من طريق الأخلاق العالية المنفتحة على الآخرين من الكافرين ، ليروا في المؤمن أخلاقية الإسلام في رحمته وبرّه وعدله مع الآخرين الذين لا يرتبطون بالدين الذي يرتبط به ، فيكون ذلك هو المدخل الذي يستطيعون من خلاله الدخول إلى الإسلام الحيّ المتحرك في كل مواقع الإنسانية ، في ما يؤكده من مراعاة الجانب الإنساني الذي يلتقي كلّ الناس فيه على القضايا الإنسانية المشتركة ، في الوقت الذي يؤكد على مراعاة الجانب الديني ، في ما يتفق فيه المؤمنون في العقيدة والشريعة والمنهج.
بل المسألة هي مسألة انفصال المسلم عن الكافرين الذين يضمرون ويظهرون ويمارسون العداء النفسي والعملي للإسلام والمسلمين ، فيعملون على محاربتهم وإخراجهم من ديارهم ، الأمر الذي يجعل المعركة مفتوحة بكل وسائلها وأوضاعها بين المؤمنين وبينهم ، بما يقتضيه الوضع الحاسم المستقبليّ الذي لا يسمح بأي نوع من أنواع التراخي والتسامح والتعاطف الساذج ، ولذلك فلا يجوز برّهم والإحسان إليهم والموادة معهم. أما الذين لا يتحركون في دائرة العدوان ويقتصر الأمر لديهم على الاختلاف مع المسلمين في العقيدة ، فلا مانع من برهم والعدل فيهم والإحسان إليهم والتعايش معهم في المجتمع الواحدة ، أو في البلدة الواحدة أو البلدان المتعددة.
وهكذا تتحرك السورة لتؤكد هذا الخط من خلال استعادة تجربة إبراهيم عليهالسلام والمؤمنين معه في انفصالهم عن أهلهم وقومهم ، حتى أن إبراهيم تبرأ من أبيه عند ما اكتشف أنه عدوّ الله.
ثم تتحدث السورة عن المؤمنات المهاجرات اللاتي يأتين إلى المدينة فرارا بدينهن خوفا من الضغوط القاسية من أهلهن لإخراجهن من الدين ، فتطرح السورة القضية على أساس امتحانهن في صدقهن في ذلك ، فإذا عرف