الشرعي ، فليس لكم حرية الامتناع عن الإنفاق في ما يريده الله لكم من موارده ، لأن ذلك يعني خيانة الوكيل للموكل في ما حدده له من الحرية في التصرف بماله. فكيف إذا كان الله هو الموكل ، وكان الإنسان الذي هو عبد الله ، هو الوكيل؟
(فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) لأن الله قد جعل لهم الثواب العظيم على التحرر من سيطرة النزعة المادية على عقولهم ومشاعرهم وأوضاعهم ، وعلى الانفتاح على الله في خط الإيمان من أجل أن يطيعوه في ما أمرهم به أو نهاهم عنه ، بالرغم من تسويلات الشيطان وتهويلاته ، في ما ينذرهم بالفقر ويخوفهم بالهلاك ، مما يجعل من الإنفاق حركة إيمان ، وليس حالة في الذات ، فيكون طاعة الله وتمردا على خطوات الشيطان الفكرية والعملية.
(وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) قد نلاحظ أن الخطاب للمؤمنين الذين آمنوا بالله والرسول ، فكيف كان الرسول يدعوهم للإيمان بربهم؟ وربما يجاب عن ذلك أن المقصود بالإيمان بربهم هو الإيمان العملي الذي يتحول إلى حالة وجدانية شعورية ، تتمثل في الانسجام مع أوامره ونواهيه ، وفي الرغبة في الحصول على رضاه ، من خلال الإحساس الوجداني بحضوره المهيمن على الكيان كله وعلى الوجود كله ، لأن الإيمان الذي لا يصدقه العمل ، قد يكون مجرد صورة في الفكر ، وفيما هي المعادلة العقلية الباردة التي لا تحمل في داخلها أية حرارة في حركة الوجدان والشعور ، مما قد يجعل اليقين أشبه شيء بالشك ، كما جاء في حديث الإمام الصادق (ع) عن الموت : «ما خلق الله عزوجل يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت» (١) ، والله العالم.
* * *
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ، ج : ١ ، ص : ١٩٤ ، رواية : ٥٩٦.