إلا بدينه ، في ما يريد الله من الإنسان أن يحمله من تصور شامل لما حوله ولمن حوله ، بحيث يكون الله محور كل شيء ، في ما يختزنه وعيه ووجدانه في نظرته لكل الأشياء ، وعلى ضوء ذلك ، فإن الإيمان بالله ورسوله يمثل عنوان النظرة الكونية الشاملة للإنسان المسلم بالحياة ، في ما تمثله من الارتباط بالله والالتزام برسوله ورسالته.
(وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) وذلك بأن تقدموا أموالكم في كل مواقع العطاء في موارده الخاصة والعامة ، وبأن تقدموا أنفسكم بكل إمكاناتها في مجالها العملي في حركة الحياة من حولها ، وبكل مواقع بذلها حتى تكون هي الضحية الطوعية لله في مواقع رضاه ، فإن ذلك وحده هو الشاهد الحي على الإخلاص لله في جميع الأمور ، ولذلك كان جزاؤه عظيما ، (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، لأن الموازنة بين ما تبذلونه من جهد أو تضحية ، وبين ما تحصلون عليه من النتائج الكبيرة عند الله ، تؤدي بكم إلى القناعة بالفضل العظيم لما عنده. (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) فتقفون بين يديه كما لو لم يكن لكم ذنب عنده (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) في ذلك الجو الرائع الجميل الحافل بالخضرة الحلوة والينابيع المتدفقة والجمال المبدع ، (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) حيث تعيشون هناك الاستقرار الدائم والطمأنينة الخالدة والراحة الطويلة (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي يمثل الموقع النهائي في حركة الإنسان نحو الفلاح والنجاح والحصول على الفوز بالسعادة في نهاية المطاف.
(وَأُخْرى تُحِبُّونَها) في ما يحبه الإنسان من النتائج المباشرة لحركته الجهادية في تأكيد ذاته بالتغلب على القوى المضادة في ساحة المعركة ، لأنه يشعر بحصوله على ثمرة معاناته الشديدة : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) ، فقد جعل الله النصر والفتح القريب خاضعا لجهاد المجاهدين الذين يمدهم الله بقوته ويرعاهم بلطفه ، ويفيض عليهم من رحمته. وربما كان المراد بالفتح القريب فتح مكة الذي كان المؤمنون ينتظرونه بلهفة وشوق ، كما يقال ، (وَبَشِّرِ