وقد يكون من الملفت للنظر أن يكون المسلمون في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يخطب فيهم في صلاة الجمعة ، ليوجههم نحو مواقع الفلاح والسمو في الدنيا والآخرة ، ويدق الطبل التجاري أو الطبل اللهوي ، فينفضون عنه ، ليبقى النبي وحده أو مع جماعة قليلة. ولكن المسألة هي أن الناس هم الناس في كل زمان ومكان ، وأن على العاملين في خط الدعوة والجهاد في سبيل الله أن يدرسوا الإنسان في طبيعته ، في نقاط ضعفه وقوته ، فلا يصيبهم الإحباط إذا واجهوا بعض الانحرافات الطارئة أو القوية لدى المؤمنين أو المجاهدين ، ولا يسيطر عليهم اليأس ، بل يواجهون الموضوع في مؤثراته الواقعية الإنسانية ، وذلك من خلال أن الأديان والمبادئ لا تتحرك على أساس التنفيذ الشامل ، بل على أساس التنفيذ المتحرك الذي قد يتجمد في بعض الحالات ، وقد ينطلق في حالات أخرى ، بشكل سريع تارة وبطيء أخرى ، لأن الإنسان لا يمكن أن يكون خاضعا لحالة ثابتة دائمة مع اختلاف الظروف والأوضاع والمؤثرات الداخلية من حوله ، مع طبيعة الغفلة أو التذكر اللذين يتواردان عليه في مسألة الإيمان ، فيتركان تأثيرهما عليه تبعا للنتائج المترتبة على هذا أو ذاك ، مما يفرض التعامل مع حركة الإسلام في الإنسان بمنطق الواقع الذي يدفع بالكلمة الهادئة تارة ، والقوية أخرى ، والمضمون الفكري في حالة والمضمون العاطفي الشعوري في حالة أخرى. وهذا ما واجه به القرآن هؤلاء الذين تركوا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطبته وصلاته ، واندفعوا إلى اللهو والتجارة ، فاكتفى بتسجيل الانحراف العملي عليهم ، ثم بادرهم بالكلمة الوعظية الموجهة التي تدعو إلى التفكير الهاديء والتأمل العميق في ما هي النتائج النهائية على مستوى المصير.
* * *