بأن يتوبوا ويشهدوا الرسول على توبتهم ، ويؤكدوا ذلك بالطلب إليه أن يستغفر لهم ربه ليغفر لهم ، فينالوا بذلك الرضوان من الله ورسوله ، (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) استهزاء بهذه الدعوة ، أو إعراضا عن خط الاستقامة ، لأنهم لا يؤمنون بالله ورسوله في عمق كيانهم ، فلا يرون هناك خطأ يحتاج إلى تصحيح ، ولا ذنبا يحتاج إلى استغفار.
(وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) عن الحق ، في ما هو الإسلام والإخلاص لله ، (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) في ما يعيشون فيه من الإحساس بالكبرياء الذي قد يجدون أنفسهم فيه في الموقع الأعلى الذي لا يصل إليه الرسول ، ولا غيره ، من خلال موقعهم الطبقي أو المالي ، أو من خلال العظمة الذاتية الفارغة التي يوحون بها لأنفسهم ، أو يوحي بها إليهم غيرهم ممن يتزلفون للنفاق وأهله.
(سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) لأن المسألة في استغفارك لأي إنسان في ما قد تفرضه عليك ضغوط المجاملة والمداراة التي قد يخيل للبعض أنك تخضع لها حرصا على بعض التوازنات الاجتماعية في علاقتك بالمجتمع من حولك لمصلحة حركة الرسالة ، ليست مسألة ذاتية الاستغفار في صدوره عنك ، بل المسألة مسألة قابليتهم لغفران الله لهم ، لأن المغفرة بيده ، وليس لك أن تستغفر إلا لمن كان يعيش هذه القابلية وهم المؤمنون العصاة ، أما الكافرون الذين لا يؤمنون بالله ، والمشركون الذين يشركون بعبادته غيره ، فليس لهم طريق إلى رحمة الله ، ورضوانه ، وبالتالي فليس لهم مجال في عفو الله وغفرانه ، لأنهم لا يتعلقون من رحمة الله بشيء ولا يجدون أنفسهم بحاجة إلى رحمة الله ، مما يجعل الفسق عندهم خطا يؤكدون إرادتهم فيه ، ويرفضون غيره ، (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) لأن الله قد فتح لهم باب الهداية ، فأغلقوها على أنفسهم ، فلا يفتحها الله لهم من جديد مع بقاء إراداتهم الرافضة على حالها.
* * *