بين يديه ، مما يدفع الإنسان إلى أن يبحث عن مصالحه وشهواته في الأجواء النفاقية ، كانت هذه الآيات من أجل إيجاد جوّ نفسيّ ضاغط على روحية الإنسان المؤمن ، بحيث ينفتح على ذكر الله بقلبه ، وعلى الموت في ما ينتظره بعده من مواقف ومخاوف ، ليتوازن في موقفه ، ويخلص في إيمانه ، ويستعد لما بعد الموت.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) بحيث تستغرقون فيها استغراق الإنسان الذي ينصرف بكل كيانه إليها ، من دون أن يواجه عناصر المسؤولية في حياته ، فينسى ربه ، وينسى نفسه من خلال ذلك ، بل ينبغي لكم أن تنفتحوا على الله بقلوبكم ، فلا يغيب عنها طرفة عين في كل ما تأخذون به أو تدعونه من شؤون الحياة الدنيا ، فإذا أخذتم بالشأن المالي ، فإنكم تتصرفون فيه من موقع المسؤوليات المترتبة عليكم من الله في أمره ، في ما يجب عليكم إنفاقه في مواردكم الخاصة والعامة ، وإذا أخذتم بالشأن المتعلق بأولادكم ، فإن عليكم أن تدرسوا المسألة وتتحركوا فيها على أساس أنهم أمانة الله عندكم ، وزينة الحياة الدنيا في عواطفكم ، فتتصرفون في شؤونهم من موقع المسؤولية التي تنفتح عليهم من خلال الله ، ليكون الموقع الذي يمثل الخضوع لأوامر الله ونواهيه ، بعيدا عما هو الجانب الذاتي الغارق في العاطفة ، وبذلك لا تكون الأموال والأولاد ملهاة عن ذكر الله ، بل منفتحة على مواقع المسؤولية أمامه.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لأن الالتهاء عن ذكر الله ، يبعد الإنسان عن ربه ، فيورطه في معصيته ، ويشغله عن طاعته ، فيترك الدنيا بعد ذلك من دون عمل ، ويترك المال والأولاد فيها ، ثم يقف بين يدي الله من دون أن يكون له أيّ عمل يتقرب به إليه ويحصل به على رضوانه وعلى الدخول في جنته ، بل يكون مصيره النار وبئس القرار.
* * *