الخوف في متاهات الضياع.
وهذا ما يجعل الظلمة القابعة في داخلهم تنتقل معهم إلى ساحة القيامة ، فيتحركون في حالة عجيبة من التخبط والحيرة ، ولا سيما عند ما يرون المؤمنين والمؤمنات في بحار النور التي يسبحون فيها فيقولون (لِلَّذِينَ آمَنُوا) في عملية ذلّ واستجداء : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) أي أمهلونا حتى نأخذ شيئا من هذا النور الذي يسعى بين أيديكم وبأيمانكم ، ليضيء لنا الظلمة التي نتخبط فيها ، فنلحق بكم ونكون معكم لنصل إلى الأجواء المشرقة التي تصلون إليها.
ولكن المؤمنين والمؤمنات يتابعون سيرهم ، فلا يتوقفون أمام هذا الترجي والاستعطاف ، لأن المسألة ليست مسألة حالة ذاتية يتحركون فيها من خلال المشاعر الخاصة في رد الفعل تجاه حديث هؤلاء ، بل هي مسألة التعليمات الإلهية في ما يفعلون ويتركون ، أو في ما يستجيبون له أو لا يستجيبون ، مع ملاحظة أن مسألة النور في الآخرة ليست قضية شيء يملكه الإنسان ليملك حرية التصرف فيه ليمنحه لهذا أو ذاك ، بل هي قضية عمق الروح في ذاته مما يجعله مرتبطا بالذات من خلال خصوصياته الذاتية التي لا تنتقل إلى الآخرين.
(قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) من هو القائل؟ هل هم الملائكة أو هم المؤمنون والمؤمنات ، أو هم أناس من أصحاب الأعراف؟ إن الآية لا تدل على شيء من ذلك ، بل هي انطلقت في أسلوب تجهيل الفاعل ، لأن المقصود هو إثارة الفكرة التي تضعهم وجها لوجه أمام الحقيقة الصارخة ، فليس في الأمر نور يواجهونه ، بل لا بد لهم من أن يبحثوا وراءهم ليلتمسوا النور هناك ، لو كان هناك شيء من النور. ولكن أين هي منطقة الوراء؟ هل هي الدنيا التي تركوها ، والتي يستمدون منها النور من الإيمان والعمل الصالح ، وإذا كانت الدنيا هي «الوراء» فكيف يرجعون إليها ولا مجال هناك لرجوع ، فيكون التعبير