قد يكون هذا الحديث منطلقا من حالة جفاف روحي عاشها المسلمون آنذاك ، مما جعل الذكر يفقد روحيته في قلوبهم ، كما أبعد الإسلام عن مواقع العمق في عقولهم ، الأمر الذي فرض الحاجة إلى نداء إلهى قوي ، يحذرهم من ذلك ، من خلال التأثيرات السلبية التي تمنعهم من الاندماج في محبة الله ، والانسحاق أمام مشاعر الخوف منه ، ليكون الله مجرد اسم في الذاكرة ، ويتحول الإسلام إلى صورة جامدة في الخاطرة ، (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) حيث تحول الكتاب عندهم إلى عنوان لا يحمل في داخل قلوبهم شيئا من معانيه ، والدين إلى انتماء فارغ من الروح لا يؤكد خطه في الحياة الفكرية والعملية لهم ، أما اسم الله ، فيتحول إلى إله قومي لا ينفتح على الناس كلهم بمحبته ورحمته ، بل يختصهم بها ، أو يبقى في أفكارهم جامدا لا يحمل أية نبضة حياة (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) وابتعدوا عن حيويّة الرسالة وروحانية الرسول في انطلاقتها الحية القوية الواعية ، فتحولوا إلى تقليديين يتخذ الدين عندهم صفة العادة الجامدة في شخصياتهم ، (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) وفقدوا الخشوع لذكر الله ، فلم يبكوا خوفا من عقابه ، ولم يخضعوا رجاء لثوابه ، ولم يرجعوا إليه ، أو يجلسوا بين يديه في شكوى العبد لسيده عند ما تحلّ به المشاكل ، أو تحاصرهم الأزمات ، أو يشتد بهم الحرمان ، بل يرجعون إلى عباده ، ويعتمدون على أنفسهم ، بعيدا عن الله.
وهكذا ابتعدوا عن الله بالفكر والروح والحركة ، فانحرفوا عن الخط المستقيم ، وتمردوا على أوامره ونواهيه ، واقترفوا الكثير من الآثام (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) في أقوالهم وأعمالهم وعلاقاتهم العامة والخاصة ، وقليل منهم مؤمنون متّقون خاشعون في قلوبهم لله ، في رقة خاضعة خاشعة تلامس الروح ، وتفتح القلب على الله وعلى الخير المنطلق من وحي الإيمان به.
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) فينزل عليها الماء بعد جفاف طويل ،