والحركات والأحاسيس القريبة من السطح الساذج للوعي الذاتي ، في ما هي الغريزة الباحثة عن غذاء لا غنى فيه يتعب شخصا أكثر مما يتعب آخر ، لأنه أكثر أموالا وأولادا (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ). ولكن السؤال هو أن الأولاد مهما كثروا فسيفارقهم وسيفارقونه ، وأن المال مهما ازداد في حجمه وقيمته وتعداده ، فسيتركه وراء ظهره ، إن عاجلا أو آجلا ، الأمر الذي لا يمثل أية قيمة باقية في حياته ، لأنها ليست عنصرا ذاتيا في كيانه ، بل هي شيء طارئ في ما يقترب منه أو يحيط به.
وهكذا يخرج الإنسان من الدنيا من دون أن يأخذ شيئا من هذه الأجواء الزاهية اللاهية معه ، (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) عند ما يتساقط المطر بغزارة وينفذ إلى أعماق الأرض فيمنحها الريّ والحياة ، وتنموا البذرة في داخلها لتزهو وتزدهر وتتحول إلى زرع أخضر ممتدّ يبعث البهجة في النفوس في جمال وروعة ، ويعجب الزراع ـ وهو معنى الكفار ـ نباته في شكله الحلو وفي نتاجه الجيد (ثُمَّ يَهِيجُ) في حركته الصاعدة التي تبلغ غايتها ، فتبدأ الخضرة في حالة الشحوب والذبول ، (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) في ألوانه التي توحي بالموت بعد أن بدأت الحياة تجف من أوراقه ، (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) عند ما يتحول إلى ورق يابس متكسر ، ليكون هشيما تذروه الرياح ، فلا يبقى منه شيء للنظر أو للانتفاع الغذائي أو نحو ذلك.
وهكذا تنتهي الدنيا بكل ما فيها من زينة ولهو ولعب وتفاخر وتكاثر ، لينتهي الإنسان معها إلى جسد ميت تتحلل أجزاؤه وتتناثر أعضاؤه حتى تتحول إلى عظام نخرة ، ويعود ترابا كما كان. ولا يبقى من الإنسان إلا العمل الصالح الذي يؤدي به إلى مغفرة الله ورضوانه ، أو العمل السيئ الذي ينتهي به إلى عذاب الله ، مما يجعل من الدنيا فرصة العمل الذي يختاره الإنسان في إرادته ، ليختار مصيره من خلال ذلك ، فهو الذي يمثل عمق الحياة فيها وسر القوة في حركته معها ، (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) فتلك هي الحقيقة