تحدث الخسارة أو عند ما يأتي الربح انطلاقا من صدمة المفاجأة التي تثير ذلك هنا وهناك ، بل لا بد من مواجهة الأمر على أساس أن الحديث السلبي أو الإيجابي حالة طبيعية في نظام الوجود لأن الخسارة تخضع لأسبابها الاختيارية أو الاضطرارية ، كما أن الربح يخضع لذلك ، فلا مجال لأي شيء طارئ في ذلك ، ولا مفاجات في عمق الأمور ، فإذا تمت للحدث أسبابه ، فلا بد من أن يحدث ، من خلال الحتمية الكونية للأشياء ، في ما قدر الله لها ، تماما كما هي الأشياء الكونية في نظام الطبيعة الخاضع للتقدير الإلهي في التكوين.
وقد جاء في نهج البلاغة : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : الزهد كله بين كلمتين من القرآن ، قال الله سبحانه : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه» (١).
وعلى ضوء ذلك ، فلا بد للإنسان من أن يتواضع في حركته ، ويتوازن في شعوره ، ويثق بالتقدير الإلهي في موارد رزقه ، فلا ينتفخ في حالات الفرح ليتحول ذلك عنده إلى حالة استعراضية من الخيلاء أو حالة استكبارية من الاستعلاء والفخر ، أو حالة أنانية خائفة تقوده إلى البخل ، (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) يتيه على الناس بزهوه ، ويفخر عليهم بأعماله ، فليس في الأمر فضل ذاتيّ خاص ، بل المسألة مسألة إرادة الله في التقدير ، ليعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، في خضوعه لحركة الوجود السائرة بتقدير الله.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بأموالهم التي رزقهم الله إياها ، لينتفعوا بها وليعطوا
__________________
(١) ابن أبي طالب ، علي ، نهج البلاغة والمعجم المفهرس لألفاظه ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، ط : ١ ، ١٤١٠ ه ـ ١٩٩٠ م ، قصار الحكم / ٤٣٩ ، ص : ٤١٦.