المعتدي طبيعة الرد ، فيتصاغر لدى نفسه ، ويعرف بأن الرسول لم يكن ساذجا في موقفه ليترك للسخرية أن تأخذ مجالها في طريقتهم ، ليذهبوا ويقولوا لجماعتهم بأن الرسول لم ينتبه للفرق بين كلمة السام وكلمة السلام ، إذا أجابهم بقوله : وعليكم السلام.
وربما نحتاج إلى استيحاء هذا الأسلوب في ما قد نواجهه من أمثال هذا الأسلوب من أعداء الإسلام ، لنتعلم اللباقة الهادئة في الرد ، في مواجهة هذا المنطق.
وقد جاء في تفسير القمي : أنهم كانوا يحيونه بقولهم : أنعم صباحا وأنعم مساء ، وهو تحية أهل الجاهلية (١) ، بينما كان الله يحييه بتحية الإسلام وهي السلام عليكم ، لأنهم لا يريدون للتشريع الإسلامي في التحية أن يأخذ دوره الطبيعي في الحياة العامة للناس.
وهذا ما ينبغي للمسلمين أن يثيروه في حياتهم الاجتماعية ، فيؤكدوا تحية الإسلام في تقاليدهم ، لأن ذلك هو مظهر أصالة الشخصية الإسلامية التي تلتزم الإسلام في الكلمة المميزة والفكرة الغنية والأسلوب الفريد الذي يتميز به الإسلام عن غيره ، مما قد يجعلنا نفكر بأن وحدة المعنى لا تكفي في طريقة التعبير ، بل لا بد من التأكيد على الكلمة الواحدة في تقاليد الشريعة.
(وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) أي لو كان محمد نبيا لنزل علينا العذاب بما نقوله من الكلمات التي تتحداه وتسخر به وتسيء إليه ، تماما كما لو كانوا يستعجلون العذاب كدليل على عدم صدقه. ولكن الله يجيبهم على ذلك بأن النتيجة التي سيصلون إليها إن عاجلا أو آجلا ستعرفهم حقيقة الموضوع.
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٩ ، ص : ١٩٨.