ذلك دافعا لهم إلى أن تكون مناجاتهم له منطلقة من الروح الإيمانية التي تلتقي بالله في مواقع القرب إليه ، وهي الصدقات التي تمثل العطاء الذي يتقرب به الإنسان إلى ربه ، فلا يكون لقاؤهم به في المناجاة ، التي تأخذ كثيرا من وقته وتشغله عما هو فيه ، مجرد لقاء للحديث العادي الذي لا غنى له ولا فائدة ، بل يكون لقاء خاضعا للروح الإيمانية التي تستهدف رضا الله في كل أفعالها وأقوالها. وليقلل ذلك من اللقاءات التي كانت تشغل وقت الرسول بمناسبة أو غير مناسبة ، ليتحسسوا مسئوليتهم عنه وعن وقته الذي هو وقت الرسالة في حركتها في حياة الأمة ، في الدعوة وفي الجهاد.
(ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ) لأنكم تخرجون بذلك من الأجواء العادية التي تلتقون فيها ببعضكم البعض ، لتجدوا في لقاء الرسول معنى روحيا يرتبط بالعطاء الذي يقدمه إليكم في ما تحتاجون إليه من شؤون دينكم ، من خلال العطاء الذي تقدمونه للفقراء في ما يحتاجونه من أموالكم.
وقد علل صاحب الميزان ذلك بقوله : «ولعل الوجه في ذلك ، أن الأغنياء منهم كانوا يكثرون من مناجاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يظهرون بذلك نوعا من التقرب إليه والاختصاص به ، وكان الفقراء منهم يحزنون بذلك وتنكسر قلوبهم ، فأمروا أن يتصدقوا بين يدي نجواهم على فقرائهم بما فيها من ارتباط النفوس وإثارة الرحمة والشفقة والمودة وصلة القلوب بزوال الغيظ والحنق» (١).
ونلاحظ على ذلك أن المسألة لا ترتبط بالجانب الاجتماعي في علاج عقدة الفقراء من الأغنياء في لقاءاتهم المتكررة مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأن من الممكن علاج ذلك بإتاحة الفرصة للفقراء في اللقاء بالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمستوى نفسه ، كما أن العطاء الذي يقدمه الفقراء لا يغني عن الحاجة إلى ذلك اللقاء ،
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٩ ، ص : ١٩٦.