يستغنى عنها بالحديث مع غيره. فجاءت الآية الثانية لترفع ذلك عنهم ، ولتؤكد الالتزام بالخط العام في التقرب إلى الله ، وهو الصلاة التي هي معراج روح المؤمن إلى الله ، والزكاة التي تمثل العبادة التي يمتزج فيها العطاء الروحي بالعطاء المادي في ما تمثله الزكاة من حالة عبادية رائعة.
(أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) فكان رد الفعل امتناعكم عن مناجاته خوفا من دفع الصدقة ، أو امتناعكم من دفعها في إلحاحكم على طلب مناجاته ، مما يوحي بضعف الالتزام الديني في حياتكم ، (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) تهاونا أو استخفافا أو تمردا (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) فغفر لكم ذلك بعد أن تحقق للتشريع بعض غاياته ، في ما أثاره من جدال ومناقشة ووعي للمسألة المتصلة بالنبي في وقته الثمين لحساب الرسالة (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في التشريعات العامة التي تمثل خط الحياة الذي تتحرك الرسالة من أجل أن تقود الناس إلى الالتزام به ، لتبقى حياتهم مشدودة إلى ما يصلح أمرهم عند الله في حسابات الدنيا والآخرة ، (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) مما يرضيه أو مما يسخطه في السر والعلانية.
وجاء في الدر المنثور عن علي عليهالسلام قال : «إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها بعدي ، آية النجوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكنت كلما ناجيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قدمت بين يديّ درهما ، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد ، فنزلت (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) (١).
* * *
__________________
(١) السيوطي ، عبد الرحمن جلال الدين ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ، دار الفكر ، ١٩٩٣ م ـ ١٤١٤ ه ، م : ٨ ، ص : ٨٤.