وعلى الروح لتعكر بعض صفائها ، وعلى القلب لتشوه بعض أحاسيسه ، وعلى الحياة لتدفع بها إلى متاهات الضلال.
وهكذا بدأ الحديث عن البذل كعنوان إيمانيّ يوحي بالتضحية المالية في سبيل الله ، من أجل المشاركة في تحقيق عناصر القوة للمجتمع المسلم الذي كان يواجه التحديات التي تريد إبقاءه في مواقع ضعفه ، وأن تفرض عليه مواقع ضعف جديدة من خلال الحروب التي أثارها المجتمع الكافر في ساحته ، لتشغله عن حركة الدعوة في العمق والامتداد ولتسقطه في ساحة الصراع ، الأمر الذي يفرض على المسلمين التعاون من أجل تأصيل القوة بكل مستلزماتها ، وتوجيهها نحو الفتح على أكثر من صعيد.
وانطلق الحديث في أجوائها عن قيم الدنيا ، التي تستغرق في مظاهرها السطحية الزائلة ، وقيم الآخرة التي تحتضن الدنيا في دائرة الآخرة ، لتتكامل السنّة الإلهية التي أراد الله للإنسان أن يؤكدها في وجوده ، لتتداخل الآخرة في الدنيا ، كما تطل الدنيا من خلال الأهداف الكبيرة على الآخرة الدائمة التي توحي له بالخلود الكبير.
ويدور الحديث فيها عن المؤمنين في درجاتهم المتفاوتة ، وعن الجو الذي يتحركون فيه في الآخرة في أجواء رحمة الله ، وعن المنافقين كيف عاشوا في الدنيا ، وكيف واجهوا مواقع الذل في الآخرة ، بحيث كانوا يستجدون المؤمنين ليمنحوهم شيئا من النور ليطردوا بعضا من الظلام الروحي الذي يسيطر على كل واقعهم هناك.
ثم تطوف السورة بعض الشيء في أجواء اليهود والنصارى في بعض اللمسات الإيجابية ، في النقاط السلبية والإيجابية في سلوكهم العام وفي روحيتهم الذاتية ، وتوجّه التفكير والإحساس بعد ذلك إلى القدر المحتوم الذي يتحرك بقدرة الله في تنظيم الواقع الكوني والإنساني من خلال القوانين المودعة