(وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) فلا قيمة لصلة القرابة ، مهما كانت قريبة ، أمام مسألة العقيدة ، فقد تفرض عليه العقيدة في مواقف التحدي أن يقتل الإنسان أباه أو ولده أو أخاه أو أفراد عشيرته إذا وقفوا في الموقف المعادي للإسلام وللمسلمين ، كما حدث لبعض الصحابة في معركة بدر ، وكما حدثنا القرآن الكريم عن موقف نوح من ولده وعن موقف إبراهيم من أبيه. وهذا هو الخط الذي يريد الإسلام للإنسان المسلم أن يقف عنده ويتحرك فيه ، ليكون منفصلا عن كل المواقع المضادة للإسلام ، في عملية رفض فكري وعملي ، يؤكد على الحاجز الفاصل بين الإسلام والكفر ، لتكون المواقف تابعة له.
(أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) من خلال عمق الفكرة والشعور ، بحيث كان الإيمان هو العنوان البارز الثابت في واجهة العقل والروح ، فلا فراغ فيها لغيره ، مما يتصل بالكفر فكرا وشعورا ، (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) في ما يوحي به إليهم من الإشراق والصفاء والنقاء ، وفي ما يمنحهم إياه من الطمأنينة والثبات والاستقرار والعزيمة القوية الصامدة ، (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) فذلك هو جزاء المؤمنين الصامدين في إيمانهم ، المستقيمين في طريقهم ، المتقين في أعمالهم ، (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بما آمنوا به ، وبما أطاعوه ، (وَرَضُوا عَنْهُ) بما أفاض عليهم من نعمه في كل وجودهم وفي كل مفردات حياتهم العملية في حركة الوجود. وهذا هو الهدف الذي يريد الله للمؤمنين أن يتابعوا السير نحوه ، وهو الرضا المتبادل بينهم وبينه ، فينفتحون عليه في الرضا بقضائه ، ويحصلون على رضاه عنهم ، بإيمانهم وتقواهم ، لتكون حياتهم له ومعه في جميع المجالات.
* * *