دور الكون في ما يحتويه من موجودات حية أو جامدة ، في وجوده التكويني المنفتح على إعلان عظمة الله بوسائله التعبيرية المتنوعة ، ليكون ذلك منطلقا للإنسان ليستوحي ذلك في إقباله على الله ، وفي خضوعه له ، وفي انفتاحه على كل مشاريعه العملية من خلال الإحساس بذلك ، ليكون مرتكزا على أساس الشعور بالموقف القوي من خلال الشعور بعظمة الله في كل مواقع القوة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الذي لا يقترب أحد من مواقع عزته بأي موقع قوة ، كما أنه يدبر الحياة في كل حركتها بحكمته.
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) بتدبيره الذي ألهمه رسوله ، وبنصره الذي نصره به ، في نطاق العقيدة الإيمانية التي ترجع فيها كل أفعال الإنسان إلى الله ، في ما توحي به من أن الله هو الذي يملك عمق الأسباب التي تبدو مرتبطة بالإنسان في ظواهرها ، ليبقى الإنسان مشدودا إلى الله في شعوره بالحاجة المطلقة إليه ، لأن كل طاقاته الذاتية مستمدة من الله في أصل وجودها وفي استمرارها في الحركة.
وهكذا كانت الآية تؤكد أن الله هو الذي أخرج الكافرين برسوله من أهل الكتاب ، وهم بنو النضير ، من ديارهم ، بفعل الخطة الحكيمة المتحركة بقوة الموقف الإسلامي الذي وقفه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمون معه في مواجهتهم للتمرد اليهودي على المعاهدة المعقودة بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد أسلفنا الكلام عما هو المراد من أول الحشر الذي يوحي بالبداية لإخراج اليهود عن الجزيرة العربية.
وقد كان هذا الإخراج وليد نظرة إسلامية للعقلية اليهودية العنصرية التي تختزن في داخلها العقدة الخبيثة ضد الإسلام والمسلمين في ما كانت تثيره من حقد متأصل في الذات ، وشعور مرضيّ بالتفوق ، مما يجعل المجتمع اليهودي ـ بحسب طبيعته ـ مجتمعا معقدا مثيرا للقلق والإرباك في محيطه