ومع هذا كيف يقول صاحب المنار : «أُولئك عن ذكر الله معرضون»؟ ولو كان هذا النوع من الاستعانة موجباً لنسيان الله والغفلة عنه للزم أن تكون الاستعانة بالأسباب المادية الطبيعية هي أيضاً موجبة للغفلة عنه.
على أنّ الأعجب من ذلك هو شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت الذي نقل ـ في هذا المجال ـ نصّ كلمات عبده دون زيادة ونقصان ، وختم المسألة بذلك ، وأخذ بالحصر في (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) غافلاً عن حقيقة الآية وعن الآيات الأُخرى المتعرّضة لمسألة الاستعانة(١).
إجابة على سؤال
إذا كانت الاستعانة بالغير على النحو الذي بينّاه جائزة فهي تستلزم نداء أولياء الله والاستغاثة بهم في الشدائد والمكاره ، وهي غير جائزة ؛ وذلك لأنّ نداء غير الله في المصائب والحوائج تشريك الغير مع الله ، يقول سبحانه : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (٢) ويقول تعالى : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (٣) ويقول عزّ من قائل : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)(٤). إلى غير ذلك من الآيات التي تخصّ الدعاء لله ولا تسيغ دعوة غيره.
وقد طرح هذا السؤال الشيخ الصنعاني حيث قال : وقد سمّى الله الدعاء عبادة بقوله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) (٥) فمن هتف
__________________
(١) راجع تفسير شلتوت : ٣٦ ـ ٣٩.
(٢) الجن : ١٨.
(٣) الأعراف : ١٩٧.
(٤) فاطر : ١٣.
(٥) سورة غافر : ٦٠.